تجارة «البيانات الشخصية»
الإزعاج الهاتفي عن طريق الشركات والمصارف والفنادق ليس جديداً، لكن وتيرة هذه الاتصالات غير المرغوبة في الغالب من معظم الناس، تصاعدت بشكل ملموس في الآونة الأخيرة، ومع تصاعدها تصاعدت أيضاً شكاوى الناس من هذه الطريقة المزعجة في الترويج، وتصاعدت رغبتهم في إيجاد طريقة للتخلص من هذه المكالمات.
نتفهم أن هذه الشركات والمؤسسات تحتاج إلى أن تروج خدماتها أو منتجاتها، لكننا في الوقت نفسه نعيب عليها أنها لا تفرق أبداً بين الترويج والإزعاج، ولا أدري بالضبط إن كانت هناك أرقام وإحصاءات ناتجة عن دراسات تقوم بها لمعرفة فاعلية مثل هذا النوع من الترويج أم لا، كما لا أدري إن كانت ملاحظات الناس وانزعاجهم من هذه الطريقة قد وصلتها أيضاً، أم مازالت هذه الشركات والمؤسسات تعتقد أن الاتصال في أوقات غير مناسبة، واقتحام خصوصيات الناس على هواتفهم الشخصية هما فرع من فروع الترويج الحديث!
السؤال الأهم الذي يراود كل من يتلقى مكالمة هاتفية من هذا النوع، هو الكيفية التي يتم بها الحصول على معلومات مثل رقم الهاتف، واسم صاحب الرقم بالكامل، وأحياناً الجهة التي يعمل فيها. وأعتقد أن الجواب الذي يردده معظم هؤلاء غير دقيق وغير صحيح، فهم عادة ما يرددون فقرة «رشحك أحد الأصدقاء»، لكن أحدهم يتلعثم ولا يجيب أبداً إن سألته عن اسم الصديق الذي يتحدث عنه!
هناك من يؤكد أن المسألة ليست ترشيح صديق ولا غيره، والموضوع أكبر من ذلك بكثير، فهناك تجارة رائجة على حساب الناس وأرقامهم، وهناك جهات «متورطة» في تجارة لا أعتقد أبداً أنها «قانونية»، فهي تقوم على أساس بيع «بيانات» الناس، خصوصاً أرقام هواتفهم وأسماءهم، وأحياناً تصنف القوائم إلى فئات منها: قائمة عادية، وقائمة مهمة، والأكثر أهمية، وفقاً لأصحابها، وهكذا تختلف الأسعار باختلاف حجم البيانات وكثرتها ونوعية القائمة!
انتشار هذه الظاهرة وتصاعدها، يؤكدان فرضية وجود هذه «التجارة»، فهي الأكثر قبولاً من فرضية ذلك الصديق «المجهول»، وبالتالي فإن المسألة تجاوزت الإزعاج إلى قضية أخرى أكبر وهي المتاجرة في خصوصيات الناس، فهذه المعلومات ليست ملكاً لأي جهة، وهي شخصية بالدرجة الأولى، ولا يحق لأي جهة حصلت عليها عن طريق صاحب العلاقة، لضرورة أو حاجة لإنهاء معاملة أو خلافها، أن تتحول إلى جهة بائعة، وتستغل هذه المعلومات لاستخدامها أو تبادلها تجارياً مع جهات أخرى، من دون أن يكون لصاحب العلاقة دور في التحكم بأرقام هاتفه، فهو الوحيد صاحب حق إعطائها لمن يشاء وحجبها عمن يشاء!
ربما يكون للأزمة المالية العالمية دور في ذلك، هذا التفسير الذي يمكن أن نسمعه من المروجين، فالأعمال تراجعت، ومضاعفة أشكال الترويج أصبحت ضرورة، لكن ذلك ليس مقنعاً، فالأسلوب قديم ومتبع قبل حدوث الأزمة، ثم إن الغاية لا تبرر الوسيلة، ومن غير المنطقي أن تصبح الأزمة شماعة نعلق عليها كل شيء سلبي، فهي سبب اختلال سوق العقارات، وهي سبب تردي مستوى دوري «اتصالات» لمحترفي الكرة، وهي السبب في وقف الترقيات والتوظيف، ولا أشك أيضاً في أنها السبب في ارتفاع أسعار الصافي والكنعد في سوق السمك، وربما ثقب الأوزون أيضاً!