الفساد قبل الفقر
الفقر بيئة ملائمة للإرهاب.. عبارة يحلو لبعض السياسيين والقادة ترديدها لتبرير الحرائق التي تشعلها الأوضاع المتردية في بلدانهم. وهي عبارة تبدو شطراً في بيت شعر لم يكتمل شطره الثاني. فهؤلاء السياسيون يتعمدون في الغالب فتح باب يتوقعون من ورائه «هبات ريح»، ويعملون على إغلاق باب آخر قد يفتح لهم أبواباً من المساءلة والحساب وتقليب صفحات الكتاب.
الفقر بيئة للعديد من الأمراض الخطرة والفتاكة وليس الإرهاب وحده، ولكن الفساد غالباً ما يكون هو الباب الذي يدخل منه الفقر، ولكن أصحاب المسؤولية يصرون على عرض الفقر، وإغفال الفساد. فمن وراء النوح على الفقر ومشكلات الفقر يمكن ابتزاز «المانحين» الخائفين من تبعات الإرهاب وامتداد ألسنة الحرائق إلى ما وراء تلك البيئة التي تعاني الفقر، وجذب الأنظار بعيداً عن البيئة الأوسع التي تفرخ الفقر والجهل والمرض والتخلف والتفاوت الطبقي المخيف، والتطاحن الاجتماعي المدمر. في معظم المجتمعات البشرية التي تشتكي من الفقر ويقف الفساد ممسكاً بخيوط اللعبة. فساد في الإدارة، وفساد في المال، وفساد في السلوك ناتج كله عن أزمة أخلاق. هذه الأزمة هي التي تعطل قيام المؤسسات. وإذا وجدت هذه المؤسسات تعطلت أدوارها وكانت كتماثيل الورق. وهي التي تجعل الغني يزيد غنى وبطراً، والفقير يزداد فقراً وتردياً. وهي التي تحول دون وجود ما يسمى بالطبقة الوسطى التي تعد صمام أمان أي عملية استقرار في أي مجتمع. وهي التي تقطع دابر كل رقيب، وتعمل على ملاحقة كل حسيب، وتحول دون وجود أي نوع من المساءلة، وتمنع أي اتجاه نحو النزاهة أو نزوع نحو الأمانة، فتحاول توريط الكل في دم قتل الفضيلة. وعندما تتراجع الفضيلة وتتوارى الاستقامة تصبح الجريمة، والإرهاب إحداها، قاعدة وغيرها استثناء، ويصبح الفقراء والبسطاء والمهمشون وقود نارها التي تأكل ولا تذر.