من المجالس
قضية القدس تجاوزت الألوان الأخضر والأصفر والبرتقالي،وبلغت ذروة اللون الأحمر، والموقف العربي بقي بعيداً عن كل تلك المراحل من دون مبالاة بحقيقة النيّات الصهيونية تجاه المدينة ومقدساتها وسكانها وكل الحقوق التاريخية للأمة فيها. الآن يجتمع القادة العرب تحت شعار حماية القدس بعد أن تحطمت كل أسوار الدفاع عن المدينة المقدسة عبر سنين من العمل الصهيوني الممنهج، حتى وصلت الجرافات إلى أسفل قبة الصخرة وعلى باب المسجد القديم، واكتملت حلقة بناء الكنس اليهودية في كل محيط المسجد، وذهبت الأحياء القديمة واحداً بعد الآخر إلى يد المؤسسة الاستيطانية اليهودية، وتناقص عدد المقدسيين العرب بفعل سياسات التشتيت وفرض القيود، وتهاوت المؤسسات المقدسية بفعل قوانين الضرائب والإتاوات الإسرائيلية الظالمة، وبدت المدينة المقدسة تترنح منتظرة الضربة القاضية الأخيرة لتسقط على الأرض وتنهار مآذنها وتتبعثر قبابها وتتدحرج أجراسها، ثم يقف المنتصر الصهيوني على جثة المهزوم واضعاً أساس الهيكل المزعوم. المال وسيلة مهمة لدعم صمود القدس والمقدسيين، ولكن إقرار المساعدة المالية من دون موقف سياسي قوي ودعم عربي وإسلامي حازم على جميع الصعد سيبقي المال بنداً لا يمكن صرفه ولا يمكن وصوله إلى مستحقيه. فالسلطات الإسرائيلية تملك من الأدوات والسياسات والإجراءات والقوانين التي وضعتها لمحاصرة القدس والمقدسيين وسائر أبناء فلسطين ما يمكنها من جعل نصف المليار دولار التي قررتها القمة مجرد حساب أو رصيد لا يمكن صرفه ولا يمكن تحقيق مقاصده. الموقف العربي لايزال بعيداً عن مجاراة الفعل الإسرائيلي في القدس، وسياسة رد الفعل تزيده بعداً وتخلّفاً في ملاحقة التهديدات الصهيونية. وبقدر ما يبدو التقصير والخمول في المواقف الرسمية تبدو ما تسمى مؤسسات المجتمع المدني العربي أكثر خمولاً وأشد تقاعساً في قضية القدس وفلسطين بشكل عام، بل في كل القضايا العربية. الأمر الذي برر ذلك التقاعس الرسمي، وأسهم في إضعاف قدرته على المناورة واستخدام ورقة الضغط الشعبي في إيجاد مواقف أكثر حزماً أمام سياسات الاستخفاف الإسرائيلية والغربية.