بيوت الشعر والسرد
بعض المسمّيات الفضفاضة لا تعكس المعاني التي يفترض أنها تمثلها، وهذا حال ما يسمى بنادي القصة وبيت الشعر .
قلنا من قبل للشخص الذي اختطف بيت الشعر في اليمن واحتكر الاسم إن ادّعاء تمثيل الشعراء في بلد ما شرف كبير، لكن صاحب هذا الشرف سيبقى محاصراً بأسئلة لن يكف الحاضر والمستقبل عن طرحها.
والحال كذلك مع أديب وروائي لا يقل مغامرة عن صاحبه بإصراره على احتكار نادي القصة وتحويله إلى محمية خاصة، وكلاهما يحاول استنساخ ثقافة الاستحواذ على هياكل مفرغة من المشروعية والأداء الجاد.
هكذا تتحول المسميات إلى نياشين بإبر حادة يزرعها أصحابها في صدورهم من دون تفويض من أحد.
يريد الطرفان أن يتزيّنا بزعامات زائفة لمؤسسات تدّعي تمثيل المشهد الشعري والسردي، ويحتفظ الاثنان بالكيانين لوقت الشدة، وما أشد جرأتهما على رفاق الكلمة وهما يصادران حقوق الآخرين ويقايضان المناسبات والجهات الداعمة ويتحدثان ويسافران بحقائب ملغومة بتضخم الـ«أنا».
في سياق تحرير هذه الفكرة من الاستحواذ الفردي أخبرني صديق أن عدداً من كتّاب الرواية اجتمعوا أخيراً لمناقشة موضوع نادي القصة وما يمكن عمله، وأنجزوا بالفعل الخطوة الأولى على طريق تأسيس منتدى للسرد.
وفي منتصف العام الماضي، وقّع أكثر من 40 شاعراً وشاعرة على بيان دعوا فيه إلى التشاور بهدف تأسيس بيت الشعر وأعلنوا رفضهم وعدم اعترافهم بأي كيان يدّعي تمثيل الشعراء اليمنيين، وطالبوا الهيئات الرسمية المحلية والعربية بعدم الاعتراف بأي كيان شخصي يدّعي تمثيل الشعراء.
لكن بيان الشعراء المحتشد بكلمات حماسية لم يتجاوز الشكوى، فهل سيتجاوز أهل السرد التذمر والشكوى إلى الفعل؟ أم أنهم قد أصبحوا أكثر شاعرية من أهل الشعر الذين يقولون ما لا يفعلون؟
وبعيداً عن الكتابات التي ذهب أصحابها إلى التجريح ومقابلة الإقصاء بإقصاء مماثل، يرى الناقد عبدالقادر باعيسى، أن الشعر لا يتقيد ببيت بوصفه حدثاً جمالياً، ولا يلتزم بمكان أو زمان، ويرى كذلك أن فكرة (بيت الشعر) من أساسها خاطئة، وأن محاولة إصلاحها ببيت آخر وصفات مختلفة، دخول في الفكرة الخطأ، أي دخول في التنميط، «تتشقلب» فيه الترتيبات فقط، أو يعاد التحديث بلغة الكمبيوتر، فالاهتمام ببيت الشعر وتنظيمه، هو اهتمام بتجميع الشعراء بصفة ما، ومن ثم سيتم الاختلاف بالضرورة على موقع البيت، أين سيكون؟ ومن هم الفاعلون فيه؟
ينطلق تشخيص باعيسى للمشكلة من فرضية اللاجدوى، ويحدد مصير البدائل المقترحة حين يقرر سلفاً أنها ستكون محط اختلاف!
ولايزال الجدال حول بيت الشعر مستمراً عبر صفحات الـ«فيس بوك» ولم يغادر ساحة العالم الافتراضي حتى الآن، وكانت الحصيلة سيلاً من التعليقات، والمقالات الانفعالية، ويبدو أن الوظيفة الوحيدة للـ«فيس بوك» في نسخته العربية لن تتجاوز الفضفضة.