«البطانة» المقنّعة
من أكثر الأمور التي يحسد عليها الناس أهل الإمارات هي طيبة وكرم المسؤولين فيها.. وأقصد هنا كبار المسؤولين وولاة الأمر.. فقد اعتاد الناس الحصول على أفضل ما يتمنون، وأقصى ما يحلمون به.. فأحَبَ الناس المسؤولين لحُبِ المسؤولين لهم وهذا يذكر بحديث خير البرية: «خير أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم».
إلا أن النفوس البشرية المستغلة والموجودة في كل زمان ومكان كان لها وجود أيضاً في هذا المناخ الصحي.. فشكلت مجموعات لا تعمل ولا تنتج وتعتمد على سعة صدر وكرم المسؤولين في الحصول على امتيازات ومكرمات لم يؤدوا حقها بالعمل أو الشكر الصحيح.
الخطورة غير الملموسة في هذه الطبقة على المدى البعيد هي أنها بعد فترة تتحول من بطانة لا تعمل إلى بطانة تؤخر المنجزات.. لأنها، ونتيجة للترهل الوظيفي تعطي نفسها الحق للتكلم باسم المسؤول وإعطاء الأوامر باسم المسؤول من دون أن يمنحها المسؤول تخويلاً بذلك.. بل، ولتغطية سوء الأداء تتحول في كثير من الأحيان إلى عيون رصد سلبية في المجالس والدواوين من دون أن يطلب ذلك منها أحد..
والأخطر أنها تهمش الدور الحقيقي للمرافقين الأصلاء الذين يعملون أعمالاً عدة في وقت واحد من رفقة وحماية وإخوة وعزوة وإنهاء إجراءات المسؤول المنشغل وتخليص أمور الناس والعمل «كفلتر» بين الكثير من الأمور الصغيرة التي يمكن إنهاؤها بالهاتف..
وبين الأمور المهمة التي تصل إلى المسؤول مباشرة، وكم نرى من صور بعض المرافقين والمقربين الذين أفنوا حياتهم في خدمة المسؤولين في العقود الماضية من دون أن نعرف أسماءهم لأنهم عملوا وأنجزوا ورحلوا.. بصمت.
المتطورون من البطانة المقنعة يستغلون هذا القرب حتى مادياً فيطبعون «بزنس كارت» و«لتر هيد» صغيراً يمنحون عليه التوصيات لمدير الجهة الفلانية ومسؤول الدائرة الفلانية مقابل ما يتم الاتفاق عليه مع الطرف المستثمر .
وعلى الرغم من أن معظم الدوائر التي تتبع منهجية علمية في أداء المسؤوليات تلقي بتوصياتهم غير الرسمية للملفات، فإنها تعكس نوعاً من الانطباع السلبي الذي قد يلحق بالجميع.
الكادر الحكومي يتطور يوماً بعد يوم.. وهذا الصنف يشكل عبئاً كبيراً عليه.. قبل أن يشكل عبئاً على المسؤولين الذين يمنعهم الحياء وسعة الصدر من الإساءة إليه أو تحويله إلى المعاش المبكر.