أبواب
كذبة أبريل
إذا كان الأول من شهر أبريل (نيسان) يعني كذبة متاحة ومعلنة يتداولها الناس جميعاً فماذا كنا نفعل طيلة الأشهر والأيام الباقية؟ هل يحتاج الكذب إلى يوم عالمي واحد لكي يُحتفى به؟ أم أنه موجود وبكل علاماته في حياتنا المجانبة للحقائق والمتخفية أصلاً وراء هذا الداء الذي نرعاه ونزوده بكل مكوناته حتى يمتد ويشتد وينغل في كل جزء من أجزائنا؟
إن القول الآني إن كذبة أبريل لها عواقب سيئة على المجتمع بكل فئاته يعني أننا نجعل من هذا اليوم مشجباً مكسور الظهر نعلق عليه كل مشكلاتنا من دون أن نتوقف برهة عند بقية الأيام التي نمارس فيها الكذب، ليس عادةً فقط وإنما مكوناً من مكونات وجودنا الشخصي والعام معاً.
وعلى العكس من الذين يتمنون غياب هذا اليوم من الذاكرة لكثرة ضحاياهأ، أتمنى أن يظل مفرداً بين جنباتنا حتى يغيب الكذب الأصلي من أيامنا الأخرى، وأقول مضطراًأ هنا لا بأس علينا من تبعاته المحرجة، ولا بأس من مداعبة سمجة، ولا بأس أن نكذب لمرة واحدة كل عام بدلاً من الكذب الذي لا ينتهي في السياسة وفي الاقتصاد وفي الحب وفي الوظيفة والبيت من غير أن تظهر علينا علامات الكذب المتمثلة في زيغ البصر أثناء الحديث والتكلف العصبي، وكذلك تجنب الإشارة الى الذات وغير ذلك من علامات الكذب التي صرنا ننجح في تجاوزها بحكم الخبرة المتراكمة.
من ينظر ويدقق سيجد أن الأكثرية الساحقة من الحركة الاجتماعية تكذب في سبيل الكسبين المالي والمعنوي، وربما بسبب الخوف، وربما بسبب حب السلطة، وربما من أجل رغيف خبز، وتحت جملة من المسميات من بينها «الفهلوة» و«الشطارة» والمهارة في التخلص من المآزق،أ والأنكى من هذا وذاك أن بعض الدول تكذب أيضاً في سبيل التأثير في الرأي العام، وان الحكومات تكذب مثلها حتى يستمر بقاؤها، وان الأحزاب تكذب حتى تصل إلى غاياتها المنشودة، وان الصور التي يقال دائماً إنها لا تكذب، قد باتت تكذب في رأس المخرج وفي غرفة المونتاج، وان هذا الكذب يمكن أن يكون سياسة مقصودة ضمن ما يُدعىأ بفن الممكن، ويمكن أن يكون مصلحة، ويمكن أن تكون عبارة غلوبز اللعينةأ «اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرون» مفتاحاً ذهبياً لفتح أي قلعة مالية أو سياسية مستعصية.
وبناء على ما تقدم من صدق ومن كذب يتوجب علينا قبل أن نتصدى للأول من أبريل ونطالب بحذفه من رزنامة الحياة، أن نُعمل العقل كله في ما يحدث في دواخلنا من كذب، وفي ما يحدث فيأ العالم من حولنا، لعلنا نعمل قدر المستطاع على وقف نموه، خصوصاً أنه أصبح صناعة رائجة يولد ويستولد حتى صار كما الطاعون،أ وان الحل الأمثل في التعامل معه لن يأتي سوى بنزعه من أعماقنا وليس عن طريق نزع كذبة يوم لو تحدثت لقالت: أيها الناس من كان منكم بلا كذبة فليضرب رأسي بحديدة أو حجر.