أبواب
الصوت الأول
يتضمن كتاب سمير فريد «مخرجون واتجاهات في السينما المصرية» 57 مقالاً عن 75 فيلماً عُرضت في الفترة من عام 1971 إلى عام ،1999 وهي من إخراج 20 مخرجاً مصرياً. والغريب أن يتجاهل، وهو الناقد البارز، دور الموسيقى ووظيفتها الدرامية في كل الأفلام، التي خصها بالنقد، ولا يمنحها إلا اهتماماً عابراً، كأن يكتب مثلاً عن موسيقى فؤاد الظاهري «إنه يبقى أفضل مؤلف موسيقي مع انه يكرر تيماته الموسيقية في أفلامه العديدة»، وأن «موسيقى شعبان أبوالسعد طابعها غربي، تتعارض تماماً مع الطابع الشرقي لألحان المطربة سعاد محمد»، وأن «المخرج حسين كمال يصل في فيلم (النداهة) الى الذروة في مشهد الاغتصاب بفضل موسيقى إبراهيم حجاج»، أو يرى الموسيقى، في فيلم آخر، أنها وُضعت كالحوار في موضعها المناسب!
يخبرنا تاريخ السينما بأن أول صوت بدأ يرافق عروض صورها الصامتة، منذ العام ،1889 كان صوت الموسيقى، عندئذ، بدأ الجمهور، لأول مرة، يرى صور الفيلم ويسمع، في الوقت نفسه، صوت موسيقى تُعزف من قاعة العرض. وحينما ابتكرت طريقة لطبع الموسيقى على شريط الفيلم عام ،1926 كانت أول صوت يُضاف الى الصور المتحركة. وبدأ يظهر، تدريجياً، نوع جديد من الموسيقى، سُميّ الموسيقى السينمائية. وأصبحت موسيقى الفيلم، مع الزمن، تُرشح أيضاً للأوسكار وينال مؤلفوها جوائز ذهبية في المهرجانات الدولية.
إن إدراك المشاهد وظيفة الموسيقى في الفيلم، يأتي نتيجة لثقافته السينمائية، فإذا أراد النقاد أن يساعدوه أكثر في كيف يُشاهد ويسمع، فعليهم أن يوجهوا انتباهه، أيضاً، إلى أهمية وظيفة الموسيقى في الفيلم.
يقول موريس جوبير «نحن لا نذهب إلى السينما لنسمع موسيقى. إننا نطلب من الموسيقى أن تخلق فينا إحساساً بصرياً، وألا تفسر لنا الصور فقط». لأن على الموسيقى، إن استعملت، أن تصبح عنصراً درامياً، مثلها مثل بقية عناصر التعبير السينمائي، التي تسهم بنصيبها في السرد. «ولا بأس بعد ذلك أن تضفي الموسيقى على الحكاية، في لطف، شاعريتها الذاتية».
تأتي إشكالية استعمال الموسيقى في الفيلم من طبيعة الموسيقى ومن طبيعة الصورة، فالصورة حسيّة، تعزل وتعيّن، والموسيقى تجريديّة، تُعمم، وبهذا تكون وظيفتها التعبيرية ثنائية، فهي إن تدّل على صور وأصوات من طبيعة مختلفة، فإن تأثيرها يعمّق دلالات الفيلم ومعانيه.
يسأل المؤلف الموسيقي ارون كابلاند «هل يتوجب على المرء سماع موسيقى الفيلم؟ إذا كنت موسيقياً فليس ثمة مشكلة، إذ إنك ستصغي إليها، لقد أخفق أكثر من مرة، من وجهة نظري، فيلم جيد بسبب موسيقاه الرديئة». ويعقب «أخيراً يظل فن دمج الأصوات الموسيقية بالصور السينمائية فناً غامضاً. وليس رد فعل رواد السينما أقل منه غموضاً: فالملايين تستمع إلى الموسيقى، ولا أحد منهم يتذكر، بعد خمس دقائق من انتهاء الفيلم، إن كان قد سمع موسيقى أم لا».
على هذا نستطيع أن نطالبك عزيزي المشاهد، عندما تذهب مرة تالية إلى السينما، أن تتضامن مع مؤلف الموسيقى وتسمع موسيقاه أيضاً ولا تتجاهلها، كما يفعل بعض النقاد.