أبواب
«صرخة حجر»
كنا نتذمر في الآونة الأخيرة من المسلسلات التركية المدبلجة، التي اقتطعت هامشاً كبيراً من أوقات أبنائنا وزوجاتنا وأصدقائنا. وكنا نود لو يشاهد الواحد من هؤلاء نشرة الأخبار أو فيلماً وثائقياً أو درامياً محترماً أو يقرأ كتاباً أو مجلة عوضاً عن هذا الذي يراه، وهو كله لا ينطوي إلا على خيال مَرَضي، من دون أي التفات إلى قراءة واقع مرتبك.
إلى أن جاءنا أخيراً مسلسل تركي جديد يدعى«صرخة حجر»!
والمسلسل جديد تماماً، وربما لم تستغرق كتابته ومن ثم تصويره وما يلزم من عمليات فنية، أكثر من ثلاثة أشهر. أي منذ اندلاع ما سمي الأزمة التركية الصهيونية، على خلفية مسلسل تركي يدعى «وادي الذئاب».
يومها أعلن الأتراك أنهم سينتجون مسلسلاً جديداً يحكي حقيقة القمع الصهيوني للفلسطينيين، فاستبشرنا خيراً بذلك، طالما كانت جهة غير عربية ستقوم بفضح ممارسات العدو الإرهابية ضد الشعب الفلسطيني، في الوقت الذي لا يستطيع العرب أن يفعلوا ذلك.
وليت الأمر لم يكن!
فالمسلسل الجديد مجرد فضيحة على المستوى الفني، حيث نرى أنفسنا مشغولين بمتابعة سيناريو بالغ الهشاشة، وإخراج شديد الركاكة، وتمثيل لا يرقى إلى مستويات المدارس الثانوية.
وكنا سنغض الطرف عن ذلك كله، لو قدم المسلسل في فجاجته هذه، ما يتعرض له شعبنا الفلسطيني من ظلم وقمع وإرهاب على يد العدو الصهيوني. ولكنا فوجئنا بمسلسل معني بالتغني بالأمجاد التركية القديمة والراهنة، وبحرب جواسيس بين الأتراك والصهاينة، وبفكرة مفادها أن العدو الصهيوني أخطأ في استفزاز تركيا، لأنه يحتاج إلى مثل هذا الحليف الاستراتيجي في صراعه الوجودي مع العرب.
كل ما في هذا المسلسل من حكايات وصراعات درامية، تنتمي إلى عائلة الدراما التركية الركيكة، التي تشبه الميلودراما الهندية في كثير من وجوهها، خصوصاً أنها تقفز فوق الواقع الاجتماعي الذي تتناوله. والواقع هنا هو الاحتلال الصهيوني ومعاناة شعبنا الفلسطيني القاسية واليومية جراء هذا الاحتلال. ولكننا لم نر من هذا كله سوى بعض الوقائع الساذجة، وبعض المشاهد التي تقل تأثيراً عن تلك التي تسوقها نشرات الأخبار المصورة. وهذا يعود بنا إلى مربع الفن وضرورته ورؤيته. فلا يكفي أن يكون الموضوع مقدساً أو مهماً لكي ننتج عملاً فنياً متميزاً. وفي رأينا المتواضع، فإن عملاً فنياً ركيكاً يعني التقليل من شأن الموضوع الذي يتناوله. وهكذا تصبح مقاومة الاحتلال في هذا العمل أقل إقناعاً وأقل أهمية وأقل ضرورة، خصوصاً أن الحكايات الجانبية هنا تأخذ حيزاً أكبر وأكثر درامية من الحيز الذي تأخذه معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال.
ثمة استهتار كبير بعقول المشاهدين في كثير من المشاهد والمواقف، وثمة محاولات لصناعة دراما بمواقف مفبركة وغير مقنعة فنياً وموضوعياً، وثمة تركيز على نماذج لا ينبغي لها أن تكون أساسية في العمل، كالضابط الصهيوني والشخوص التركية، التي تأكل أدوار الفلسطينيين في عمل مكرس إعلامياً لمعاناة هؤلاء تحت الاحتلال، وثمة ما هو أكثر أهمية من ذلك، وهو تجاهل فلسطين التاريخية، وتجاهل الرواية التاريخية الفلسطينية. وفي إيجاز نقول: ثمة ما يمكن اعتباره بياناً يشبه بيانات الأمم المتحدة والدول الغربية، التي تشير عادة إلى قلقها من استخدام الاحتلال القوة المفرطة!