‏كل جمعة‏

‏ أسماء مستعارة‏

باسل رفايعة

‏أتابع نقاشات عربية على الإنترنت، بعضها في السياسة والاقتصاد والرياضة والتشريعات، وبعضها يتناول قضايا راهنة يحركها الحديث عن الاختلاط وعمل المرأة، والحجاب، والنقاب، ووسط ذلك جدل في حقوق الإنسان والحريات العامة.

وجدت آراء كثيرة، تستحق الاهتمام والاحترام، ومنها ما ينطوي على ذكاء وتحليل عميق يتفوق على ما تنشره الصحف، وعلى ما تعلو به أصوات أبطال الفضائيات، ووجدت أن الاختباء خلف أسماء مستعارة في المواقع والمنتديات الإلكترونية ليس شرّاً كله، خصوصاً عندما يصل الكلام إلى مساحات من المسكوت عنه، أو حينما يتداخل الديني والثقافي والاجتماعي، بحدة وتعارض، فالقوانين العربية تطال الإنترنت، وشبكات الاتصالات العربية تستطيع حجب أي موقع من دون رفّة عين.

الخوف أول دافع للكتابة تحت اسم مستعار، لأن لا ضمانات عربية لحرية التعبير، فنحن نتعلم الخوف قبل القراءة والكتابة، وربما نحن من أكثر الشعوب التي تعتبر الخوف سبباً للسلامة وتجنب الخطر، ونحن أقل مجازفة، لأننا نعرف العواقب سلفاً، فنؤثر الصمت، وإن تحدثنا بما نعتقده ونؤمن به، فإننا نترك أسماءنا مستورة كأسرار بالغة السرية.

الخوف العربي مركّب، فنحن لا نخاف من التعرض لمساءلة قانونية وحسب، بل نخاف المجتمع وثقافته وقيوده، ونحسب ألف حساب لما يحب ولما يكره، نخاف من القبيلة والعائلة، ونخشى أن تجلب المقاطع الأخيرة من أسمائنا العار لمن يرتبطون بنا بالدم. لا ننسى أن قبائل عربية كثيرة تبرأت من أبنائها أو استنكرتهم بشدة، لأنهم كتبوا، أو تبنوا مواقف فكرية تلحق ضرراً بموقعها وعلاقاتها مع البلد الذي تعيش فيه.

حينما نكون حقيقيين جداً، نختبئ وراء الأسماء المستعارة، ندرك سلفاً أن المجتمعات مثل الدول لا تحتمل مواجهة ثقافتها وموروثها وقانونها، وندرك أننا غير قادرين على دفع الثمن، فنؤمن بالخوف ونمارسه، ونذهب بعيداً في تسويغه وتحويله ثقافة خاصة لها قيمها ولغتها وسلوكها.

الأهم، أن ما يُنشر على الإنترنت تحت سيادة الخوف يمثل كثيراً من الجدل العربي المفيد والمحذوف تماماً من الصحف ووسائل الإعلام، وكنت أظن أن الأسماء المستعارة ظاهرة يحتكرها متصفحون عاديون للشبكة، ويجدون فيها متنفساً لهم في مواجهة قيود النشر في الواقع، قبل أن أكتشف أن كتّاباً عرباً، لهم أسماؤهم المعروفة، وحضورهم المتميز باتوا ينشطون بغير أسمائهم الأصلية في مواقع ومنتديات، أحدهم يحاول مواجهة الخوف من التبعات بتحليل الأخبار الرسمية في بلاده، والتعليق على الأحداث وتحليلها، وهو بذلك يوفر للقراء وجهة نظر أخرى، غير تلك التي يحفل بها الإعلام الرسمي.

كاتب عربي آخر تعرض موقعه الشخصي للحجب في بلاده، قال إنه ينشط في منتديات الشباب باسم مستعار، ولا يهمه المجد الشخصي من الكتابة باسمه، إذ لا معنى لذلك حين يخسر الكاتب من مجرد وجهة نظر، ويتندر بأن للخوف فوائد، فهو يعلمك ألا تتقمص دور البطل، لأن أحداً لن يصفق لك، أو يذكرك، حين تلاحقك السلطة أو يحاسبك المجتمع، مثلما يعلمك أن الأمل بالتغيير في العالم العربي مجرد وهم، ما دامت فلسفة التعليم وأنظمته ومناهجه هي نفسها منذ عقود، وما دامت العربية الأكثر حديثاً عن إصلاح التعليم، ولم تخط فعلياً وجدياً باتجاه ذلك مرة واحدة!‏

‏baselraf@gmail.com

تويتر