‏‏

‏أقول لكم‏

محمد يوسف

‏‏أوروبا بعظمتها وجبروتها، بحجمها وقوة نفوذها، بمالها وعلمها وعقولها، بتقدمها وبُناها التحتية وتطورها، أوروبا الأعظم من العظمى، يهزمها بركان يقع في أقصى الشمال، نار تخرج من ثنايا الصخور، تفجر الثلوج، في أرض بعيدة مهملة بالمقارنة بأرض الحياة وجنة الدنيا، يشلها، يجعل أياديها مغلولة حتى الأعناق، ويعطل العقول عن التفكير، وعن وضع الحلول، وتتحول «قبلة» البشر، أمنية الحالمين، ومطمح الفقراء والمضطهدين، تتحول إلى جزيرة معزولة، السماء مغطاة بالدخان، والأرض معمية بالغبار، من دون إنذار، لم تدق نواقيس الخطر، ولم تصدر التحذيرات، ولم يتسابق أصحاب الأخبار نحو السبق والتفاخر، هكذا، فجأة، تتوقف الرحلات الجوية، يصبح «هيثرو» مهجوراً، وترتعش باريس، وتنتظر المدن الكبرى مصيرها، ويترجل الجميع عند بوابات المطارات من دون مواعيد، ومن دون جداول تنظم الحياة، وتصبح عقارب الساعات أسهم إعلان عن توقف الحياة، تشير نحو الجمود، وتعيد البشر إلى الحقيقة، ويطل مسبار «هابل» من فوق مستغرباً، ومعه المحطات الفضائية الباحثة عن حياة في المريخ أو عن مياه في الكواكب الأخرى، وتصور الأقمار الاصطناعية عجز الإنسان، تظهر الحقيقة، وتكشف عن الدنيا سترها، أصبحت الدنيا مكشوفة، فهذه ليست جبال التيبت التي لاتزال تبحث عن ضحاياها بين أنقاض الزلزال، وهي ليست شرق آسيا التي تخاف «تسونامي» مع كل هزة أرضية، وليست مدينة أو بلداً أو إقليماً تحرقه جيوش غازية، هذه أوروبا، سيدة الدنيا وسر تطورها، تخضع اليوم للسر الذي لا ينكشف، للمعادلة التي تحركها إرادة واحدة، هي الإرادة الأعلى والأقوى، إرادة تقدم دروساً من دون مقابل، لكل البشر، للأقوياء والضعفاء، للخيرين والأشرار، وتقول لهم تعلموا، فكل مظاهر القوة والمنعة تنحصر في أنها من صنع الإنسان، وكل القسوة والتجبر والتكبر والغرور والاضطهاد تصبح في لحظة ذرّة رماد مقابل نار الطبيعة، وها هي الطبيعة تضرب لنا مثلاً، ونتذكر «البعوضة» و«بيت العنكبوت» عبر بركان «آيسلندا»! ‏

yousef_1@yahoo.com

 

تويتر