أبواب
متغيرات الكوكب
مازالت القوى الدولية تتعامل مع المتغيرات الكوكبية التي يحدثها الانحباس الحراري بنوع من الخفة، ويجيء هذا بسبب أن الكوارث المقبلة، التي حدثت وستحدث بسبب الانحباس الحراري، ليست ملحة في حضورها الجغرافي، كما يجيء بسبب فكرة الربح المجنون للرأسمال العالمي، الذي لا يرحم في مسيرته الربحية عبر التاريخ.
ومن تابع مؤتمر كوبنهاغن المناخي الذي عقد قبل أشهر عدة، والذي أقيم كي تفكر الدول الصناعية، وعلى رأسها أميركا، بشكل جدي في ظاهرة الانحباس الحراري، والعمل السريع، على تخفيف حجم الدخان الذي تبثه المصانع، وأثر هذه السحب الدخانية في ثقب الأوزون وفي المتغيرات المناخية في المحيطات والبحار والقطبين الشمالي والجنوبي، والفيضانات المائية الكارثية التي من الممكن أن تقع لو ظلت الأمور تسير على هذا النحو.
وخرج مؤتمر كوبنهاغن بنتائج لا ترتقي الى مستوى الخطورة التي تهدد العالم، مثلما اكتفى ايضاً بتوزيع أعطيات لبعض الدول الفقيرة، التي هي في الأصل لا ناقة لها ولاجمل في إحداثيات الاحتباس الحراري.
وهكذا تظل أُمنا الارض تقدم المشهد الكارثي تلو المشهد، لتؤكد أن المسألة لا تحتمل المزاح، وتظل قيعان المحيطات تنزلق بصفائحها الجيولوجية لتحدث أكثر من تسونامي في أطراف الشواطئ، والمدن البحرية، ولتهدد الحياة الانسانية بالزلازل والفيضانات. وليس بعيداً عن هذا ما حدث في آيسلندا، حينما انبثق البركان وتفجر من تحت جبل جليدي، بارتفاع يتراوح بين 15 إلى 25 متراً، مخلفاً سحابة بركانية رمادية، حيث واصل الرماد المنبعث من بركان آيسلندا إرباكه لحركة الطيران وسط اتساع الدول التي أغلقت مجالاتها الجوية للسبب ذاته، حيث أكد الخبراء أن الرماد الذي شكلته السحابة يشكل خطراً على حركة الطيران، وبناء عليه قامت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا ولاتانيا وإسبانيا وهولندا وبلجيكا بإغلاق عشرات المطارات.
إيقاف حركة الطائرات على هذا النحو جاء بسبب أن سماء آيسلندا تعتبر من الفضاءات التي تمتلك شعبة طرق طيران عالمية، بحسب الطرق الجوية الدولية المتفق عليها. وقال بعض خبراء الاقتصاد، إن ايقاف الرحلات الجوية على هذا النحو يكلف بعض شركات الطيران ما يقارب الـ«250» مليون دولار يومياً. والحبل على الجرار كما يقولون.
ومن جانب آخر، أدى إلغاء الرحلات الجوية إلى زيادة الضغط على الفنادق ورحلات القطارات، حيث أشارت متحدثة باسم هيئة السكك الحديدية الهولندية إلى وضع رحلات إضافية على جدول السكك الحديدية في البلاد.
إلى هذا الحد تبدو القوى الانسانية متقزمة أمام الكوارث الطبيعة، وإلى هذا الحد تكون الكوارث الطبيعية قادرة على جعلنا نعود الى طفولتنا البشرية الأولى التي كان يقف فيها جدنا الكهفي الأول أمام الطبيعة الغاشمة، مطأطئ الرأس بانتظار مرور بعض السحابات الكونية.
ومع هذا فإن رأس المال الذي لا يشبع من فكرة الربح، يظل يتناسى حدوث كوارث من هذا النوع على اعتبار أنها أزمات عابرة.
ويبدو أن الإشارات التي ترسلها إلينا أُمنا الأرض لا تكفي لإشعارنا بالكارثة الكوكبية المقبلة، ويبدو أن القيامة وحدها هي التي ستجعل البشرية جمعاء تعاود وقفتها الطفولية، تلك الوقفة المكتظة بالحمق وبالغباء البشري.