أبواب
مريم سالمين.. وجرح التعليم
أزمة التعليم في مدارسنا لا تخفى على أحد، والحديث فيها بات أشبه بالنفخ في «جربة مخبوقة»، كما يقال. وما حديث الدكتورة مريم سالمين، مديرة مكتب الإشراف والرقابة على المدارس الخاصة في وزارة التربية والتعليم، إلاّ حجر من الحجارة الكثيرة التي ينبغي أن تحرك بركة التعليم الراكدة منذ الخمسينات، فالتعليم، حسب سالمين، لايزال «مكانك سِرْ»، ولم يتقدم منذ الخمسينات، والحل هو الخصخصة التي تساعد، في رأيها، على تقديم خيارات متنوعة لولي الأمر لانتقاء الطريقة المناسبة لتعليم ابنه أو ابنته.
لم يثر دهشتي تصريح الدكتورة، لعلمي المسبق بمشكلات التعليم وهمومه، بل أثارني سكوت وزارة التربية والتعليم عمّا جاء فيه، وهو موقف يدعو إلى الحيرة، فالسكوت، كما نعلم، علامة من علامات الرضا، وهذا يعني أن الوزارة موافقة، أو أن القيادة التربوية لا تعلم هذه الحقائق المرّة، وتجهل أنها تقدم لأطفالنا تعليماً «منتهي الصلاحية»، وهذا أدهى وأمرّ!
مرت شهور على حديث الدكتورة سالمين، وأنا أنتظر ردّ الوزارة بلا طائل، فالوزارة «أذن من طين وأذن من عجين»، وكأن الأمر لا يعنيها، وكأنها مقتنعة بهذا النوع من التعليم الذي لا يشجع سوى ملَكة الحفظ لدى الطالب، ولا يتصل بالمنجز التربوي العالمي والأساليب التربوية الحديثة إلا من حيث اعتماده على التقنية الحديثة واستخدام أجهزة الحاسب الآلي التي تقول سالمين إن وجودها لا يعني استخدامها. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل المطلوب فقط استخدام التقنيات الحديثة في التربية والتعليم، مع بقاء الأمر على ما هو عليه على مستوى المناهج وطرق التدريس وغيرها ممّا يتعلق بالعملية التربوية وشروطها، وهو في مجمله لا يساعد على الإبداع ولا الابتكار؟ أم أن الهاجس ينبغي أن يكون إعادة صياغة أنظمة وزارة التربية والتعليم التي تحاول بكل ما أوتيت من قوة أن تصنع لنا جيلاً متشابهاً بنسخ مكررة؟
إن الحفظ والتلقين وحشو المنهج بمعلومات مهمة وغير مهمة، ربما لا يحتاجها الطالب نهائياً في حياته العملية، لن يفلح في خلق جيل من المتعلمين تعليماً جيدًا، فما بالك بالمتميزين أو المبدعين. كما أن الإصرار على تحييد عقل الطالب بحيث لا يفكر ولا يتساءل ولا يستنبط ولا يحلل، لن يفيد سوى في تخريج المزيد من الطلبة الذين يجدون بعد دخولهم الحياة العملية أن ما درسوه في وادٍ، وما يمارسونه من عمل في وادٍ آخر. أعتقد أن أفضل رد يمكن أن تقوم به الوزارة هو التخلص من الطرق التقليدية في التعليم، وتوفير طرق جديدة تناسب العصر ومنجزاته العلمية، وإعادة النظر في المنهج وتطويره في المدارس الحكومية أو الخاصة التي تعاني هي الأخرى مشكلات لا حصر لها، فالتعليم الخاص ليس جنّة، وإن كان يتمتع بأفضلية نسبية على المدارس الحكومية.
وبالنسبة إلى خصخصة التعليم، فالموضوع أسهل ممّا يعتقد البعض، فكل ما يحتاجه هو صياغة نظام واضح يكفل حق المعلم والطالب والتنوع في الأساليب التعليمية والدخول في تفاصيل التفاصيل لحفظ الحقوق لجميع الجهات، ولا أعتقد أن العقول لدينا بحاجة لتذكيرها بأن هناك دولاً سبقتنا في هذا المجال، والاطلاع على تجاربها يوفر لنا الكثير من الوقت، حتى لا نقع في فخّ التعلم بالتجربة.
بقي القول إن أمثال الدكتورة مريم سالمين عملة نادرة ينبغي أن نحافظ عليها ونستنير بآرائها، ونسند إليها وإلى أمثالها مهمة تطوير التعليم في إماراتنا الحبيبة لأنها وضعت يدها على الجرح الحقيقي.