‏جريمة في الشقة 1003!‏

‏‏أول من أمس؛ لم أنم من صراخها.

كان جاري يضرب زوجته!

...

الوقت قريب من الحادية عشرة ليلاً: أصوات صاخبة، ونقاش حاد. وبسرعة تطوّر الأمر إلى صوت قطع أثاث تتطاير، والمرأة تركض في البيت الضيق، وشتائمه وزعيقه يلاحقانها!

بهتتُ لدقائق؛ فهذا البيت هادئ جداً، وجاري الهندي لم أسمع صوته مرة واحدة قبل ذلك؛ حتى حين طرقت بابه مرة أنبهه أنه نسي المفتاح في الباب، اكتفى بالتمتمة دون أن يبتسم!

وهو شاب ممتلئ، قوي البنية، أراه كل جمعة وهو متجه إلى الصلاة، لديه زوجة نحيلة جداً، رأيتها مرة واحدة توصله إلى الباب، ولم أصادفها أبداً خارجة أو داخلة من بيتها، ويبدو أنها عائلة محافظة جداً، فصغارهما أيضاً لا أكاد أسمع أصواتهم، رغم أنهم يسكنون جميعاً في غرفة واحدة فقط «استوديو»!

حتى أن أطفالهم يتركون أحذيتهم المدرسية على عتبة الباب، ودائماً ما أتأمل بينها حذاء طفلةٍ صغيرة، فأتذكر ابنتي نوّار!

...

صارت الساعة الثانية عشرة ليلاً: بدأت أسمع بكاء امرأة يُقطّع القلب، عويلاً حزيناً جداً، صوت امرأة تتوسل، تترجىّ الرحمة، صوت امرأة غريبةٍ ليس لها أحد، امرأة تنوح وهي تدرك أن أقرب شخص لها يسكن في قارة ثانية!

كان يلاحقها بقسوة، بفظاظة مسموعة، ويصفعها ويرفسها ويرميها (كما أسمع جيداً) بكل ما يقع تحت يده!

وأنا لا أعرف؛ هل أظل مستمعاً عاجزاً في أول امتحان من هذا النوع لقيمي ونظرياتي التي دائماً ما دوشتُ بها القراء؟!

هل أتصل بالشرطة؟ وماذا إن عرف وهجم عليّ في ليلته التالية!!

مازالت المرأة تبكي، و... تركض مفزوعةً، كالفراشة التي يلاحقها جندي مدجج بالهراوات، ونهنهات صوتها المبحوح والمنهك، تُحسسّني أنها تعضّ قلبها، وروحها، وقدميها، وتودّ لو تقفز من الأرض كلها!

وأنا خائفٌ أن أقحم حالي، مع رجلٍ بوزني ثلاث مرات!

كانت تعوي كذئبة شقّها سهمٌ في صدرها، امرأة تتمزّع من ألم خرافيّ، وتتشبّث بيد الله أن تنتشلها... إلى هناك!

...

الساعة الواحدة ليلاً: أسمع طفلةً صغيرةً مفزوعةً تنتحب!!

الصغيرةُ صحت من نومها على الصراخ، أو ربما بفعل قطعة أثاث سقطت فوقها، امتزج بكاء المرأة وطفلتها، مثل طيرين ذبيحين يتقافزان في بِركة دمهما!

لم أعد أطيق!!

الطفلة روحها تتفتت كالسُكّر!

يا الللله.. مُدّ يدك للغريبتين اللتين تُذبحان على بعد نصف مترٍ مني!

...

الساعة الثالثة فجراً: اتصلتُ بالشرطة!!

قال لي الشرطي المتثائب: اتصل على الرقم كذا، فكتبتُ الرقم سريعاً على علبة الدخان.

.. ترددتْ!

توزيـع البيوت في هـذا الطابـق، لن يترك له مجالاً لأن يشكّ بغيري، ثم إننـي لو اتصلتُ بالشرطـة فقـد يسبب ذلك ألماً مضاعفاً لهـذه الطفلة (بل وحتى للزوجة !!) حين تريانه يقاد الى السجن!

.. لم أتصل!

قلتُ سأنتظر للغد، وأرى !

بعد قليل صار نواح الطفلة المرعوبة أقرب، كأنه في غرفتي!!

التفتُ فإذا بها في البلكونة، تتشبث بكفّ متشنجة بالشبك الحديدي، وبكفّها الأخرى تغطّي وجهها الممتقع، كأنما جفّ الدم فيه تماماً!!

لا أعرف إن كانت هربت إلى الشرفة كملاذٍ وحيد، أم هو حبسها هنا، وأغلق عليها، وهو الاحتمال الأرجح، ليبعدها عن مسرح الجريمة التي يرتكبها!

أُرجّح ذلك لأنني سمعته يصرخ عليها ويركلها حين دخلَتْ ثانيةً.

اختنقتُ بصراخهما، وبعجزي، ماذا أفعل لهما، وهما الآن حتماً أضعف مخلوقين تحت هذه السماء!

سمعتُ المرأة تفتح باب بيتها، لكنه لاحقها ومنعها من الهرب، وخُيّل لي أنه جرّها من شعرها..

هربتُ أنا أيضاً من الصالة، دخلتُ غرفتي، أغلقتُ الباب، حاولتُ بقرارٍ بشعٍ جداً أن لا أسمع شيئاً.

الرابعة فجراً: يبدو أن الذبيحتين أنهكتا، لم أعد أسمع غير النهنهات. و.. نمتُ!

...

السابعة والنصف صباحاً: صحوتُ على صوت طفلةٍ تضحكُ بصخبٍ في الشرفة، أسرعتُ أطلّ عليها، كانت كشمسٍ صغيرةٍ تضحك.. فبكيتُ!

وخرجتُ بعد قليل، فشممتُ على باب بيتها رائحة طبخٍ شهيّ جداً، والممرّ مكتظ بالطيبة!!

...

يا الهي؛ كيف ابتلعت الامرأتان مرارة كل هذا الليل!

«تفاصيل هذه القصة وزمان حدوثها حقيقية بالكامل..»‏

nowaary@hotmail.com

الأكثر مشاركة