‏(طاف..!!)‏

‏في لقاء جمعني بسعادة أحمد الشريف وكيل دائرة الشؤون البلدية في أبوظبي قال لي إن الجامعة التي تخرج فيها في الولايات المتحدة الأميركية مازالت تتصل به بين فترة وأخرى لكي تطمئن على مساره الوظيفي وتطوره فيه، على الرغم من مرور أعوام عدة على تخرجه، وعلى الرغم من المنصب الذي يتبوؤه.. إلا أن سياسة المتابعة لدى بعض الجامعات العالمية تبقى واحدة ومستمرة.

وفي صورة أخرى نشرت بعض وسائل الإعلام المحلية تغطية لما سمي مجلس (لمّ شمل) قام به سعادة حمود المنصوري مدير عام بلدية المنطقة الغربية، حيث قام بدعوة جميع زملاء مدرسته والمدرسين من شتى أنحاء المعمورة سواء أصبحوا خفراء أو وزراء، بالإضافة إلى المدرسين المقيمين والراحلين لكي يجتمع الكل بعد عشرات السنوات يذكرون تلك الأيام بحلوها ومرها، بمقالبها وشدتها، ويعرف كل منهم ما صنعته الأيام بالآخر.. وكان للنشاط صدى كبير وطيب على الرغم من أنه كان فردياً.. من رجل أحب أن يعيد ثقافة الوفاء.

ثقافة التواصل والوفاء جميلة ومطلوبة، وتمت تجربتها كثيراً في الدول الغربية التي يفترض بنا أن نكون أكفأ منها، خصوصاً من النواحي الاجتماعية والأخوية، ولكننا نرى الرؤى والرسالات التي يحلو للمؤسسات التعليمية سواء كانت عليا أو مدرسية أن تضعها في خططها السنوية والخمسية والعشرية، تخلو منها.

لا أذكر أنني قرأت خبراً عن جامعة أو مدرسة حاولت التواصل مع خريجيها الأوائل لتعرف أين هم، أو لتجمعهم مع بعضهم بعضاً، أو حتى لتساعد من لم يلتزم بمساره أو طموحه في ذلك الحين.. ما يعرف بمكاتب مساعدة الخريجين أصبح دورها يقتصر على تسليم الصورة السنوية التذكارية وزي التخرج، ثم «تسويلهم طاف» كما يقال.

كم من الخريجين يمتلك صوراً وذكريات قد لا تعني له الكثير، لكنها تعني لغيره أكثر، وعلى الرغم من ذلك لا يستطيع إيصالها إلى زملاء الماضي إما لأنه لا يعلم أين هم، أو لأنه لم يجد الطريقة المناسبة للاتصال بهم في وقت لا يعرف فيه المرء عن جاره سوى اسمه.. ربما.

عام 1981 تم تخريج الدفعة الأولى من طلاب جامعة الإمارات، استوزر الحكام بعضهم، وأصبح بعضهم مستشارين، وفشل بعضهم، وتقاعد آخرون.. لكن المؤسف الأكيد هو أن الكثيرين منهم لم يلتقوا منذ حفل التخرج المذكور.. والأكثر أسفاً أن الفرصة لم تفت بعد ولكنها إن فاتت على ذلك الجيل فسينسحب الأمر على بقية الدفعات التالية.. ولا يبقى لنا سوى أن نحلف بأننا قد درسنا ذات يوم مع فلان أو فلان.. للذكرى فقط !

* * *

أخيراً تم إزالة مبنى مدرستي سيئة السمعة، وتم إعدام الكثير من الطلبة، وزج بعشرات آخرين في السجون.. ولكن أتذكر جيداً أنه كان هناك عدد من المغلوب على أمرهم لا يتجاوزون أصابع اليد.. من يدلني عليهم؟ لأنني كنت آخر من سيتسلم (الجمعية)! وعدوني بآخر يوم في الامتحانات.. و«سوولي طاف»!‏

‏shwaikh@eim.ae

الأكثر مشاركة