أبواب
معضلة اسمها « إجازة الأمومة »
خبر التعديلات المقترحة والمتعلقة بإجازة الوضع التي تغير اسمها إلى »إجازة أمومة« وصل إلى القاصي والداني، والنساء العاملات بشكل عام »مستانسات وايد«، لكن الأمهات العاملات بشكل خاص مستبشرات بقرب الفرج، وكلهن أمل في أن تأتي رياح القانون وفق ما تشتهي سفنهن التي تتقاذفها أمواج العمل وتحدياته إلى جهة، فيما تميل بها أمواج »الخادمات« ومشكلاتهن الى الجهة الثانية. فالأمهات العاملات اللواتي يضطررن إلى ترك فلذات أكبادهن وهم لايزالون »قطعة لحم« في عهدة »الخادمات« يشعرن بحسرة وألم لا يعلم بهما إلاّ الله. و»قطعة اللحم« هذه هي التي ستصبح في المستقبل شباباً وشابات ستقع على عاتقهم مسؤولية المساهمة في بناء الوطن - يعني- هي بحاجة إلى الاحتضان والرضاعة على الأقل في السنة الأولى، لكي تنشئ شخصية سليمة رضعت من حنانها ما يكسبها الاتزان في المستقبل، والله الغني عن فتاوى أشقائنا في مصر! ولكي تتمكن الأم من خلق أبناء أصحاء فلن يكفيها شهران أو ثلاثة، بل تحتاج على الأقل إلى سنة للقيام بأعباء رضاعة الصغير وتربيته، وفي الوقت نفسه هي مطالبة أيضاً باسترجاع رشاقتها لتحافظ على زوجها من الانجراف وراء إعلانات المسيار والمسفار والصيفي والحيلة وغيرها من الزيجات التي أبيحت بفتاوى رسمية!
بالطبع، تعتبر مطالبتنا للحكومة بأن تعطينا إجازة سنة مدفوعة، ضرباً من ضروب الخيال، لكننا نتوقع منها أن تعين المرأة العاملة على أداء مهمتها والقيام بدورها الأسري على أفضل وجه لكي تنشِئ شباباً وفتيات يقومون بأعباء البناء وواجب العطاء. وما دمنا في »طاري« العطاء، فإن فاقد الشيء لا يعطيه، والأم التي تترك ولدها الصغير في عهدة »الخادمة« لن تتمكن من ذلك والإنتاج على النحو الذي يراد منها.
وأعتقد أن الأم الحاضنة بحاجة إلى إجازة أمومة أطول من ذلك بكثير، وينبغي أن يتحلى القائمون على القوانين ببعد النظر، وأن يكون لديهم فكر استراتيجي يعين على إيجاد الحلول المناسبة لتوفير هذا الشرط للأم العاملة. ولا بأس في أن تحصل على نصف هذه المدة مدفوعة والنصف الثاني بلا أجر أو بنصف أجر، ولا يقولن قائل إن في هذا تكلفة كبيرة على الدولة، لأن التكلفة التي ندفعها في ترك الأبناء بين يدي »الخادمات« أكبر بما لا يقاس، وآثارها المستقبلية ستكون باهظة في المستويات كافة، تماماً كما لو حسبنا تكلفة ما سوف يصرف على الحلول التي نتجت في استسهالنا ترك اطفالنا لهن، فأيهما أفضل؟
أعتقد أن ثمة حلولاً يمكن أن تنهي المشكلة من جذورها منها إنشاء الحضانات الملحقة بأماكن العمل، وهي تجربة طبقتها دول أخرى وبعض الإمارات هنا ونجحت، خصوصاً إذا توافرت فيها الشروط الصحية الضرورية، لأنها ستتيح للأم أن ترضع ابنها مرتين بدلاً من ساعة الرضاعة التي قد تذهب في الطريق من مكان العمل الى البيت، خصوصاً بعد الازدحام الذي باتت تشهده شوارعنا، وبذلك يوفّر على الأم وقتها وجهدها والمساهمة في استقرارها وهدوئها النفسي.
أما الحل المثالي فيتمثل في وضع السياسات والتشريعات واللوائح الخاصة بالمرأة العاملة بحيث تضمن استمراريتها وتطورها المهني والوظيفي وتعزز حضورها وإبداعها، وتوفير شروط مريحة للأم العاملة لكي تتمكن من التوفيق بين منزلها وعملها بدلاً من وضعها في خيارين كلاهما مر: إما التخلي عن طموحاتها وعملها وأحلامها والتفرغ للمنزل والأسرة وإما التشظي بين الاثنين، فتخسر أحدهما على حساب الآخر وربما تخسر الاثنين معاً.