أقول لكم
هو شأن فرنسي داخلي، ولكنه يمتد إلى الخارج، يحدث جدلاً عالمياً، ويثير مشاعر أطراف كثيرة، ويخرج عن إطاره الضيق، ويكبر، لم يعد الموضوع مرتبطاً بقانون حول منع النقاب في الأماكن العامة والحافلات ومراكز التسوق، وأيضاً الطرقات، عندما توقد النار في المتراكم من الأشياء لا تنحصر النار في بقعتها التي بدأت منها، بالأمس كان الحجاب في المدارس، واليوم النقاب في الشوارع، وغداً، ماذا في الغد؟ رجل مهدّد بسحب الجنسية الفرنسية عنه وترحيله إلى بلده الأصلي، فقط لأنه زوج المرأة المنتقبة التي منعت من قيادة السيارة، ولأنه احتج، وقرر مقاضاة من خالفوها، يصبح متهماً بكل شيء، وفي كل شيء، تخرج التهم واحدة تلو الأخرى، من عضوية تنظيم إلى تعدد زوجات، إلى جعله رمزاً للتخلف وحطباً لنار التعسف، وتتركز عليه الأنظار بثوبه الفضفاض، ولحيته مع الغترة المتدلية من فوق رأسه، وتشحن النفوس، نفوس الضد والضد، كل طرف يرى بعينه، وبقلبه، ولكن الذين يرون بعقولهم أكثرية، فالهم كبير، أكبر من قضية حق كل فرد في ارتداء ما يراه ملائماً له، وأكبر من أن تشتعل النفوس في زمن يتحدث فيه العالم عن تقارب بين الحضارات والثقافات، ولأنه شأن فرنسي قال ذلك الفرنسي المحايد «إن هناك طرفاً يريد أن يختصر مشكلاتنا في قضايا لم تكن في يوم من الأيام ذات بال، فنحن نتعايش مع كل المظاهر الدينية والثقافية منذ عقود طويلة، ولم نتأثر سلباً بأية ظاهرة وافدة مع الذين أسهموا في بناء مجتمع ما بعد الحرب الثانية، وحتى في الأولى كانوا معنا، وتأسست جمهوريتنا على مبادئ سامية يراد لها أن تتقوض اليوم، فمن يلتفت نحو الهوامش والأطراف لا يعمل على البناء، ومجتمعنا يزخر بالأولويات، وهذا التوجه نحو النقاب والحجاب ليس من الأولويات إلا عند الضعفاء».
هو شأن فرنسي داخلي، لا علاقة لنا به، وهم، أي أهل فرنسا، أدرى بأمورهم، وأقدر على مناقشة شؤونهم، وتحديد القوانين السارية في بلادهم، ولكننا على علاقة وثيقة بالنفوس التي تشحن، وبالقلوب التي تمتلئ خوفاً أو كرهاً، وبالأسباب التي تجعل الفكر منشغلاً ومتسائلاً عن الهدف من إثارة المشاعر!