‏أبواب‏

‏مغامرة أم ملحمة؟‏

قيس الزبيدي

‏‏أن يقرأ سينمائي عن سمير فريد وأهمية إسهاماته النقدية، أمر يختلف عن قارئ آخر يتعرف إليه عبر القراءة.

التقيت سمير فريد للمرة الأولى مع سينمائيي نايبزغ، وقتها تعرف إلي كسينمائي بعد أن شاهد فيلم تخرجي «في سنوات طيران النورس/968»، ومن يومها أصبحنا أصدقاء، لكنها لم تكن صداقة بالمعنى المألوف، بل كانت ولاتزال، صداقة سينمائية، أكان مجالها نشاطاً ثقافياً في مهرجان أو في ورشة عمل أو في تأسيس تنظيم للسينمائيين، أو في مشاركة لجان للتحكيم.

حينما تولى سمير فريد الإشراف في مهرجان القاهرة على إصدار دراسات حول بيبلوغرافيا السينما العربية، بمناسبة مرور 100 عام على ميلادها، كلفني، كما فعل مع غيري، بإعداد بيبلوغرافيا عن السينما العربية في الألمانيتين، وحينما ترأس مهرجان الإسماعيلية، لمرة واحدة، اقترح على وزير الثقافة تكريمي، وإصدار كتاب «عاشق فلسطين» -ألفه محسن الويفي- عن أعمالي السينمائية، وحينما كان مستشاراً في مهرجان أبوظبي، اقترحني لتنظيم برنامج «فلسطين في السينما الأوروبية»، بمناسبة مرور 60 عاماً على تقسيم فلسطين. فعل ما فعله معي، أيضاً، مع سينمائيين ونقاد، لا يُحصى عددهم، وجعلهم يسهمون في نشاطه الدائم في كل مجالات الثقافة السينمائية.

في حوار طويل أداره وائل عبدالفتاح مع فريد -نشرته وزارة الثقافة بعنوان (سمير فريد - مغامرة النقد/2005)- بدأه سمير نفسه قائلاً: أنا «فلاش باك». إنه حقاً «فلاش باك» مصري وعربي وعالمي، إنه خير من يسترجع صور الماضي، وهذه صفته وميزته، فهو من ألف أكثر من 50 كتاباً عن السينما المصرية والعربية والعالمية، وأعد 15 كتاباً سينمائياً وأسهم في 27 كتاباً جماعياً وأصدر أربع مجلات سينمائية عربية وعالمية وتاريخية، ونشر مقالاته ودراساته في أكثر من 106 صحف ومجلات عربية وعالمية، وشارك في 48 ندوة ومحاضرة، وأعد برامج سينمائية في أكثر من 12 مهرجاناً، وشارك في لجان تحكيم في أكثر من 15 مهرجاناً مصرياً وعربياً ودولياً، وفاز كأول ناقد عربي بميدالية مهرجان «كان» بمناسبة دورته الأخيرة في العام ،2000 كما منحته الدولة المصرية جائزة التفوق في الفنون في العام .2002

في أي لقاء أو مناسبة لا يتحدث سمير إلا عن السينما والأفلام، ويبدو أن عينه تحل محل العدسة، فكل حكاياته ترتبط بالسينما. ومع أنه قلما يحدث أصدقاءه عن شؤونه الخاصة، لكنه إذا ما فعل، يرويها كما لو أنها تتوهج من شاشة السينما الفضية. لا يوجد أحد مثله، يرتب محتويات كنز ملفاته، لكي ينشرها في أوقات مناسبة، حتى لا تبقى منسية أو ميتة في الملفات، حتى ينفخ فيها ذاكرة الحياة: ذاكرة السينما والسينمائيين.

أن يصبح النقد مشروع حياة، فهل نسمي هذا المشروع مغامرة؟ كلا، سمير لم يغامر، مضى في سفر طويل، كما فعل كلكامش، يبحث عن سر خلود الفيلم السينمائي، ونقش في ألواح الكتب كل أسفاره، ورفع سوراً حصيناً حول مدينته: «انظر، فجداره الخارجي يتوهج كالنحاس. انظر، فجداره الداخلي ما له من شبيه».‏

alzubaidi0@gmail.com

تويتر