رؤية
سيناريوهات الفساد الإداري
تتعدّد صور الفساد الإداري في مؤسساتنا الاتحادية منها والمحلية، ومنها التغيير المستمر وغير المبرّر في الهياكل الإدارية، وتوزيع المناصب الإدارية، ونسف الخطط وتغييرها، واستقدام خبراء ومستشارين وتغييرهم.
وكل هذا التغيير من شأنه أن يشكل عبئاً مالياً وإدارياً على تلك المؤسسات وميزانيات الدولة، فعندما يحدث أن يتغير مسؤول في وزارة أو مؤسسة أو دائرة ما، فإن أول ما يطاله التغيير هي الهياكل الإدارية، والمناصب الوظيفية القيادية، ووصف المسؤول الجديد لواقع العمل والتنظيم الإداري والمالي في هذه الوزارة أو المؤسسة بأنه متخلف ولا يواكب الأهداف التي جاء لتحقيقها أو الطموحات التي يتوخاها المسؤولون والمجتمع!
هكذا يأتي مسؤول جديد بأجندة خاصة، لينسف ما وضعه مسؤول سابق، بما في ذلك تغيير الموظفين القياديين والخبراء والمستشارين، غير مهتم بحجم الأعباء المالية التي تحملتها الدولة للوصول بمؤسساتها إلى ما وصل إليه سابقه، ثم الفترة الزمنية التي استغرقتها عملية التغيير التي وضعها من سبقه، والجهد الذي بذلته الإدارات ثم الجهات الحكومية في دعم رؤية التغيير التي أتى بها المسؤول السابق!
ولم يكلف المسؤول الجديد نفسه النظر في الخطط التي وضعت سابقاً، ولا حتى بكفاءة الموظفين الذين أسهموا في صياغة تلك الخطط، أو مساءلة الخبراء والمستشارين الذين استقدمتهم الدولة وكلفتها كثيراً للاستفادة من خبراتهم في وضع خطط حديثة، أو رؤية جديدة لعمل المؤسسة، أو حتى في إعادة هيكلة تلك المؤسسات، إنما جاء هذا المسؤول المظفر بأسلحته وآلياته وفكره لإحداث التغيير المنتظر بنسف كل ما سبق وضعه، بما في ذلك تسريح الكفاءات أو تحجيمها أو تهميشها!
ويؤمن المسؤول الجديد بأنه لابد من وضع بصمته ليس من منطلق قناعته بتحقيق الإصلاح المنشود، وإنما من أجل التخريب والتعطيل ليستطيع هو ومن معه من الموالين لشخصه والمنتمين لفكره، والمسلّمين بقناعاته، والمشاركين معه، تحقيق أهدافهم حتى لو كانت خاصة، وحتى لو كلفت الدولة الكثير من الوقت والمال، ذلك أن استمراره في كرسي المسؤولية مرهون بحجم التعطيل الذي يحدثه!
إن الموضوعية والشفافية والعقلانيـة في التعاطي مـع المسؤوليات الجـديـدة، لا تعني نسف ما سبق وضعـه، والإساءة لمن جـاء قبله، والإطاحـة بكل من عمل واجتهد من قبله، وإنما دراسة الأوضاع الإدارية والمالية والوظيفية، والعمل على إصلاح ما يجب إصلاحـه، ومعالجـة الخلل الذي كان سبباً في وجود هذا المسؤول، من دون أن يصار إلى حرق المراحل، وتحجيم الجهود، وتعطيل البرامج والخطط، من منطلق الرغبة في إثبات الذات المتضخمة، والأنانية المغرقـة، والانتهازيـة الفاضحـة، فالثمن يكون غالياً ليس على الدولة بمؤسساتها وماليتها وتنميتها فحسب، وإنما على الطاقات البشرية، ومنها هذا المسؤول الجديد الذي يجد نفسـه مع مرور الوقت متخبطاً في قراراته، ومفلساً في عطائـه، ومشوّهاً في فكره، فما يبرح حتى يجد نفسـه خارج العلبة الإداريـة، ليتكرر سيناريو الفساد مـن جـديد، من خـلال مسؤول جديد.