من المجالس
منظّرو الفشل
تداعيات الأزمة المالية لم تمنع الرأسمالية الغربية من مواصلة تشدّقها وتصدير خيباتها إلى سائر دول العالم. ينظّرون، ويفتون، ويقدمون للآخرين وصفات للإصلاح الاقتصادي بأفكار ومقترحات ومشروعات لم تزد مجتمعاتهم غير المزيد من الوقوع في شر أفكارها. سخروا من الآخرين الذين اتخذوا من الحرص والحيطة نهجاً، وسفهوا الصناديق السيادية، وحاربوا الصيرفة الإسلامية، وهاجموا الرعاية الحكومية، وقدموا اقتراحات بلغة الآمر بتحرير التجارة، وفك الارتباط بالدولة، وإضعاف الرقابة بدعوى تدوير العجلة وتحريك الثابت.
وبعد كل ذلك ترى دولهم تتساقط وتفلس كأنها شركات من التصنيف ما بعد المائة. آيسلندا، واليونان، والبرتغال، وأخرى صارت تترنح من شدة ضربات الجشع الذي سببته أفكار المنظرين والخبراء ومصاصي الدماء الرأسماليين. وكل وصفة يقدمها هؤلاء تكرر الوصفات ذاتها التي درج صندوق النقد والبنك الدوليان على فرضها على الدول النامية لإنعاش الاقتصاد عبر فتح باب الفتن الاجتماعية والسياسية، وذلك بالمزيد من الإجراءات التقشفية وفرض المزيد من الضرائب والرسوم وتسريح العمال وخفض الأجور.
أصحاب الصناديق السيادية، والرعاية الحكومية، والسياسات الاقتصادية الحذرة، كانوا أقل المتأثرين، بل ظهروا للعالم بأنهم من يستحق إسداء النصائح وتقديم الوصفات وشرح التجربة للآخرين. ولكن أولئك الذين جعلوا كل شيء في هذه الدنيا للبيع والشراء لايزالون يمتلكون مفتاح الخطاب الفوقي الذي يلقى قبولاً على الرغم من تساقط دول غربية وترنح أخرى بفعل الأدوية الرأسمالية المغشوشة.