‏عالم الطرشان‏

‏هل أصبحت البشرية كلها «طرشاء» لا يسمع كل من فيها سوى نفسه؟ حوار الطرشان أصبح سمة اللقاءات والمؤتمرات والمنتديـات في عصـر يدّعي انتصار العقلانية على «الأدلجة». فكل من يرى في نفسه قوة يتفوق بها على الآخر يتكلم ولا يريد أن يستمع، وكل من يشعر بالضعف والظلم يصرخ ولا يدع مجالاً لتشغيل حاسة السمع عنده. الكل يرى نفسه على حق ورأي الآخرين باطلاً.. باطلاً لا يحتمل الصواب ولا من أي باب.

المؤتمرات الدولية تنعقد لمناقشة قضية، فتنفرط لتنتهي إلى تعقيد للقضية. فالأجندات جاهزة، والآراء معلبة، ونبرات الصوت معدة ومجهزة، والشاطر من يستطيع كبت حناجر الآخرين.

واللقاءات الداخلية تحولت إلى مبارزات تخفي فيها أصوات الصفائح أفكار الصحائف، فتنتهي المنازلات إلى اتفاق على عدم الاتفاق بعد أن تضيع الفكرة بين الحنجرة واللسان وتتوه بينهما الآذان.

يقولون إن الزمان قد تغير، وإن التعليم ازداد انتشاراً، وإن البشرية ازدادت انفتاحاً، وإن العالم ازداد تقارباً وربما تداخلاً، وإن ثورة المعرفة وقبلها ثورة المعلومات قد وسعت من أفق الإنسان وسهلت وسائل التفاهم والاتصال، ويقول الواقع إن كل ذلك زاد من غرور الإنسان، وجار على إنسانيته، وضيق أريحيته، وعقّد بساطته، وشوّه حسن نيته، واختزل أكثر ملكاته في ماديته، وقدّم أنانيته على إنسانيته، وتنكر لمبادئه، وتاجر بكل قيمه. وبلغة الواقع وبرهان الأرقام فإن العالم الآن أكثر نزوعاً لشريعة الغاب مما كانوا يصفونها بأزمنة ما قبل المدنية والحداثة.‏

adel.m.alrashed@gmail.com

 

الأكثر مشاركة