لماذا يهجر المخلصون وظائفهم؟!
الإدارة، إضافة إلى كونها فن التوظيف الأمثل لعناصر الإنتاج من موارد بشرية ومالية ومادية، فإنها علم لا يفقه مقرراته إلا قلة من قيادات إدارية في وزاراتنا، وهيئاتنا، ومؤسساتنا، ودوائرنا، وحتى شركاتنا ومصارفنا.
تلك القيادات التي وصلت إلى دفة القيادة ليس لاعتبارات علمية وموضوعية، أو وفقاً لكفاءة وقدرة، ولكن لاعتبارات المحسوبية والعلاقات الشخصية، وربما لاعتبارات إقليمية.
من هنا، فإن وصول بعض هذه القيادات له آثار سلبية في البيئة الإدارية والإنتاجية، فمن منطلق عدم مفهومية فنون الإدارة وعلومها، فإنه غالباً ما تُعزل شريحة من الكفاءات والطاقات الإدارية التي تتمتع بالخبرة والكفاءة، أو يُعمل على تهميشها، وتدفعها البيئة الإدارية الى تقديم استقالتها، أو طلب التقاعد المبكر من العمل، بعد أن تشعر باصطدامها مع واقع إداري متناقض، أو الوجود في بيئة إدارية غير مريحة، ولا تحترم عقلية هذه الشريحة وخبرتها الطويلة في ميدان العمل، ولا حتى البعدين النفسي والإنساني لها.
إن بعض القيادات الإدارية تتعمد «تطفيش»، أو عزل، هذه الكفاءات من منطلق خوف من عدم استيعاب لخبراتها وكفاءتها، أو تعرية حقيقة ومفهومية تلك القيادات، أو لرغبة هذه القيادات في توظيف أو تعزيز أوضاع شريحة أخرى من موظفين جدد، بعد تحجيم أهل الكفاءة والمعرفة والخبرة!
وهنا نتساءل: لمصلحة من يحدث هذا؟! وهل يدرك هؤلاء أن من شأن عزل أو تحجيم أو تطفيش شريحة من أهل الخبرة والكفاءة، أن يشكل تخريباً متعمداً للعمل، وأن مؤسسات الدولة ووزاراتها وشركاتها ستخسر كفاءات وطاقات وطنية مخلصة وأمينة، ليس إلا من أجل وجود قيادات ليس لها علاقة بالفهم الإداري أو فن التعامل؟!
ألا يعتبر هذا من صور الفساد الإداري في مؤسساتنا ؟!
لقد أكدت السنوات الأخيرة حقيقة ما يحدث في بيئتنا الإدارية، حيث قدمت شريحة من الكفاءات المواطنة طلب التقاعد المبكر وهي في قمة عطائها، وتم تهميش شريحة أخرى لتنتظر فرصة إكمال الحد الأدنى لفترة التقاعد كي تلحق بالشريحة الأخرى، فيما هناك موظفون لم يقبلوا بالغبن والظلم، وعبروا عن رفضهم للتهميش من خلال رفع قضيتهم إلى أروقة المحاكم، ومن حسن حظهم وجود جهاز قضائي أرسى دعائم العدل، واستطاع أن يعيد الحق إلى أصحابه، ليرفض قرارات مجحفة صدرت من مسؤولي مؤسسات، ليكون هذا العدل هو أساس العمل الإداري في دولتنا، ورسالة صريحة لأولئك الذين يفكرون في تحجيم أو ظلم الموظفين.