أبواب
متى نستمع إلى الموسيقى وأين؟
الموسيقي محمد حنانا، مترجم وناقد، يترأس تحرير مجلة «الحياة الموسيقية» التي تصدر فصلياً في دمشق، وترجم بعض الكتب الموسيقية المهمة، منها «عالم الأوبرا» لميلتون كروس و«التنوع اللا محدود في الموسـيقى» لليونارد بيرنشتاين وغيرها. حنانا مُدمن سينمائي، يشاهد الأفلام ويحاضر في موسيقاها، وله دراسة مستفيضة، عن «الموسيقى السينمائية» يبدأها بالرجوع الى المسرح اليوناني وإلى ألاوبرا وفن الباليه، ومن ثم إلى السينما، التي بدأ صوت الموسيقى يصاحب صورها الصامتة،وكان الهدف، في البداية، أن يغطي صوت الموسيقى تلك الضوضاء المنبعثة من آلة العرض، التي كانت تزعج جمهور المشاهدين! ويعقب روغر مانفيل «بدأنا نعتاد تدريجياً على منظر الفتاة، في حفلات العصر، وهي ترتجل على البيانو شيئاً من موسيقى تعبيرية، لتصاحب صور الشاشة الصامتة، ونرى فرقة موسيقية، في حفلات العرض المسائي، وهي تعزف موسيقى، لتصاحب صور أحد الأفلام المرموقة».
وضع الإيطالي جوزيبي بيكيه في عام 1919 سلسلة من مختارات موسيقية لمختلف المشاهد السينمائية، وضعها، مُصنفة وجاهزة، تحت تصرف أي قائد أوركسترا، ليختار منها ما يناسب المشاهد السينمائية، أكانت تعبر عن الطبيعة أو الليل أوالبحر أو الجبال، أو تعبر عن حالات التوتر والغموض، أو التهديد. ويكتب مانفيل عن تأثير موسيقى إدموند مايسل، التي ألفها لفيلم «المدرعة بوتمكين» لإيزنشتين، بانها كانت قوية «لدرجة أنها مُنعت، بينما سمح بعرض الفيلم نفسه».
حينما ابتكرت في عام 1926 طريقة تقنية لطبع الموسيقى على شريط السيللولويد، بدأ يظهر «نوع» من الموسيقى جديد، أخذ يشكل مع الصورة، تدريجياً، وحدة درامية غنية ومتنوعة. يجد حنانا في هذا النوع خصوصيته واستقلاليته، بالمقارنة مع فن الموسيقى، لأن تأليف موسيقاه تخضع لوظيفة التعبير البصري، وبالتالي إذ نسمعها منفصلة عن الصورة، نسمعها مبعثرة غير متماسكة، تفتقر إلى البناء ولا يحكمها منطق التأليف المرتكز على التقاليد الموسيقية الموروثة والمعروفة. ولكن ما أن نسمعها بمصاحبة الصور، نجدها تتماسك وتُكون مع الصورة وحدة درامية لا تتجزأ.
تعرف صوفيا لاريسا في كتابها المُميز «جمالية الموسيقى السينمائية» طبيعة العلاقة بين الموسيقى والصور«الموسيقى دائماً مجردة، ومعانيها غامضة، والصورة دائماً، ملموسة، ومضامينها محددة. لكن حين، تحدد الصورة بنية الموسيقا، وتعمم الموسيقى معنى الصور، ينشأ من تمازجهما وحدة متكاملة».
هل نستطيع، حقاً، أن نقول «لا تكون الموسيقى، في الأساس، أفضل من الصور التي تصاحبها، لأنها، نادراً، ما تكون جيدة كمؤلفها الموسيقي، لكنها تكون، غالباً، جيدة كالمخرج، الذي يختارها».
يعقب سترافنسكي ساخراً «دور الموسيقى هنا، هو في جلب النقود لمؤلفيها» ويقارن وظيفتها بوظيفة من يلصق ورق الجدران على حيطان غرفة العمل، ولا يتوقع منه أحد، أن يرسم عليها لوحة فنية! قررت الأكاديمية في عام 2007 منح الموسيقي مورريكوني «الأوسكار» عن كامل أعماله الموسيقية، واختارت كلينت ايستود، ليسلمه «الأوسكار». كان سيرجيو ليونه قد اختار كلينت ايستود، لأول مرة، لبطولة فيلمه «من أجل حفنة من الدولارات» وكان مورريكوني هو من ألّف، كالعادة، موسيقاه الأسطورية.