أقول لكم
يحترق مسجد، ويهدم مسجد، وتبقى فلسطين عربية تردد نداء الحق، سواء عقدت مفاوضات مباشرة أو من خلف حجاب، وسواء استخدم أوباما «الفيتو» أو صمت، فوق حبات رملها يناجي الفلسطيني ربه، يطلب القوة فوق القوة على الصبر، ويطلب قلباً يحتمل أن يكون وحيداً، وأن يصمد خمسين عاماً أخرى، وفوقها خمسون غيرها، ويتذكر كل تلك الجحافل التي مرت فوق أرضه، هي أرضه، وهي ليست للبيع، وليست للمساومة، وليست قابلة للتنازل، هنا مر جيش يحمل راية ملك مغمور من أواسط أوروبا، وقال لمن حوله إنه ملك القدس، وهناك كان يقف ريتشارد وبعض الأمراء يتطلعون إلى ما بعد القدس، ويشم رائحة الغرور، فوق الحجارة المتناثرة في الطرقات، ومن لونها الأحمر الداكن يميز ما بين دم ودم، وينظر إلى البعيد، إلى حيث يرتفع الأقصى بكل ما تبارك به، إنه لايزال موجوداً، ولايزال الأذان يصدح في مواقيته الخمسة كل يوم، ويطرب لسماع الضـاد بين جنبات البيوت القديمة، ويذرف دمعة تلو دمعة، يبكي الذين طمعوا في بيتـه واستـبدلوه خـيمة، ويبكي رزق عياله الذي سرق من بين ثنايا أرضه ومنحوه علبة مسجلة على البطاقات، ويغتسل بدمعه بعد أن سرقوا الماء منه، ويقف شامخاً باسقاً كالنخلة، عريضاً كشجرة الزيتون، مغروسة قدماه في الطين، وكل عطر الدنيا لا يساوي رائحة طين فلسطين، به يتيمم ليصلي في العراء، ويحتضن محبوبته الغالية الأرض، والسماء تغطيه، تحميه، تبارك له وفيه، ويسبح للذي لا تغفل له عين، ويشهده على حاله وحال كل من معه وحوله، وعلى الجدران التي جرفتها يد غاشمة، على مسجد كان يؤمه الناس واحترق بيد عابثة، وهو لايزال يسبح لله، ويدعو، ويصلي، بقلبه، وجسده، وروحه التي تتألق عند اللقاء ويجدد العهد، عهداً أطلقه جده الأكبر، وحفظه عن أبيه، ولايزال يلقنه طفله الصغير، عهداً بأن تكون كل الأرض مسجداً، وألا تنطق الأرض بغير العربية، فهذه فلسطين، وفلسطين عربية