5 دقائق
(عودة طناف)
لأنها تغار من صديقاتها، ولأنها تعتقد أن كل ما يقلنه صحيح، ولأن معظم صديقاتها من مدينة العين، حيث يمكنك أن تعثر على شاعر جديد بين كل شاعر وآخر، أصرت على أن يكون مهرها قصيدة شعر، لا أعلم لماذا هي لا تريد أن تقتنع بأن الشعر موهبة لا تُشترى؟!
إلا أنني لم أكن أملك ترف الخيار فحفظت كل ما كتبه رحمه الشامسي وطناف والخضر والعتيبة وبن حويرب والاحبابي، وبت ثلاث ليالٍ في وادي عبقر أثناء رحلة العمرة، ولم يتحرك شيطان شعري للحظة، إذ ربما كنت متوضئاً معظم الوقت، حاولت مرات ومرات لكن النتيجة لم تكن أكثر من «أنا وأنت في المساء.. نمرح مثل الأصدقاء» لم أكن مقتنعاً بأنه يصلح مقدمة لمسلسل كرتوني.. فكيف يكون مهراً لعينيها؟! غيرت «التكنيك» وحاولت أن أغريها بمواهبي الأخرى التي أعلم يقيناً أن الشعراء لا يبارونني فيها.. تناول حبة الفول في الفم مباشرة بعد إلقائها ثلاثة أمتار في الهواء.. تغيير قنوات التلفزيون بضغط الريموت وأنا مغمض العينين.. إخراج صوت كريه بوضع راحة اليد تحت الإبط.. الاحتفاظ بالكرة على الرأس لثلاث ثوانٍ كاملة.. إمامتي لشباب المقهى وإنهاء 20 ركعة تراويح في أربع دقائق و25 ثانية.. تدخين حجري معسل عنب وسلوم من مبسمين مختلفين في الشفطة نفسها.. وغيرها الكثير، إلا أنها لم تقتنع بصنائعي السبع إطلاقاً، كانت تصر على أن تحصل على قصيدتها.. وإلا فالشارع يعج بالشعراء.. لم تحل مشكلتي إلا عندما دعاني أحد الزملاء في دبا الحصن على «قشيد».. وعلى الرغم من أنه كان يفترض في دعوته أن تكون «عقيقة» أو «عقوقة» كما يحلو لأهل المنطقة تسميتها، إلا أن الوجبة كانت «قشيد» وحتى الآن لا أعلم ماذا أنجبت زوجته، فعقيقة الذكر ذبيحتان والأنثى واحدة.. فهل رزق مثلاً بأطفال أنابيب؟! عندما فرش الزميل الجرائد وجدت في صفحاتها الثقافية الكثير والكثير من القصائد التي يعلق عليها النقاد بأنها قصائد ذهبية.. ووجدت الكثير من الجمل على غرار «البعد الكوني في القصيدة يصل بمسامعنا إلى نقطة اللامنتهى الشعورية التي تلتف على مخابئ القلق المستكين في زوايا النفس الأخرى»، ومن هذه الجمل التي تذكرك بطريقة الترجمة في برنامج «غوغل» للبحث الآلي.. كتبت قصيدتي الأولى والأخيرة بالطبع، وأنا أحاول تقليد هؤلاء الشعراء قائلاً: أفصح عن وجهك يا شيخ السبيت/ الكل سيهرب لا محالة/ شعبية الكرتون شعبية الكرتون/ يسقط الفارس مضرجاً بألوان الشتاء/ ثمرتان تسقطان/ ما بال طعام القطة لم تمسسه يد الجان المضيفة تنظر لي بعينيها/ حزام الأمان لا مكان للراحلين خلف الشمس/ اتركوا هذه القصيدة/ مقص الرقيب يمتلأ صدأً/ الجريب فروت قتل الريجيم/ ميسى رقمك سبعة.. أرسلتها إلى مؤسسات ثقافية عدة ولن تصدقوا عبارات الثناء التي حصدتها وشروح النقاد التي لم أكن أعلمها حتى وأنا أكتب القصيدة، وأنا أحتفظ بجميع الردود والشروح، لكي أفضحهم جميعاً قبل أن أنتحر وأنا أحتضن ديواني كأي شاعر يحترم نفسه.. ولكن ما يهمني هو: هل ستقتنع «هي» بقصيدتي؟!