أبواب
هيفاء يافا
أم فلسطينية من يافا، انتقلت بعد التهجير القسري والاحتلال الاسرائيلي، الى العيش مخيم. لديها ذاكرة صافية، وشخصية قوية، اذ جبلتها مرارة الحياة جيدا. تعلمت مبادىء الكتابة والقراءة، في سن متأخرة، ولم تعرف اليأس.
كانت في سنواتها الأخيرة مصابة بمرض الضغط، لكنها لم تتوقف عن ابتكار الحياة، حتى لحظة رحيلها منذ عام ونصف العام، اذ اصبح لها »شاهدة قبر« تطل على بيتها وابنائها.
هيفاء الفلسطينية اتجهت الى الرسم وهي في السبعين من عمرها، وأنجزت لوحات تتسم بروح فِطرية كانت توقّع اسمها عليها بحروف طفولية.
تلك اللوحات كانت آخر »وصية« لونتها، اذ حملت ذكريات من طفولتها في فلسطين.
رسمت بيت عائلتها وأشجار البرتقال وورد الحديقة وعلم فلسطين ووجوه أطفال وعصافير. كانت تحكي في لوحاتها عن »ألوان مؤجلة«، عن فرح مؤجل، عن مستقبل مؤجل، عن عودة مؤجلة الى أرض محتلة.
هيفاء السبعينية كانت تجترح الضوء من صخرة العتمات، وتؤكد في لوحاتها أن الذاكرة لم تحتل، وكذلك خيال تلك الطفلة هيفاء التي كانت تقطف الورد وتوزعه على جيرانها. كانت تحكي لابنها الكاتب والصحافي محمد السمهوري عن سيرة يافا في روحها، وعن سيرتها في يافا، تلك العروس البحرية التي تتمدد على »الأبيض المتوسط«.
هيفاء، بعد وفاة زوجها، صارت الأم والأب لابنائها الذين ذاقوا اليتم، يتم فقدان الوطن ويتم رحيل الاب، الى ان كبروا امام عينيها في ذلك البيت الصغير المسقوف بصفائح »زينكو« في مخيم جبل الحسين في عمان.
كانت »مختارة« الحي الذي تسكنه، وفي بيتها تجتمع جاراتها في ما يشبه »المؤتمر اليومي«، حيث تتداعي الحكايات عن الحياة الآن، والحياة أمس، على إيقاع »كاسات« الشاي.
سيرة هيفاء ستكون في فيلم جديد يعكف على انجازه الفلسطيني أشرف الشكعة الذي يقيم في دبي، والذي اطلعت على جانب من طموحه في مجال »الفن السابع«، بعدما جهز نفسه وأدواته والكاميرا الوحيدة التي لديه. وكان قدم محاولة أولى عن سيرة فنان تشكيلي، ثم بدأ الانشغال بسيرة هيفاء ابنة يافا. وقد توافرت للشكعة المعروف بدأبه مادة وثائقية مهمة لحياة هيفاء منذ تهجيرها من يافا وحتى رحيلها، من بينها صور لمشاركاتها في الإعتصامات والمظاهرات، وصور لدفاترها اثناء تعلمها في سن متأخرة. كما انه سجل معها ساعات طويلة، أثناء زيارتها الوحيدة لابنها محمد عندما كان يعمل في الإمارات، حيث كانت ترسم في »شقة« ابنها في الشارقة، وكان الرسم شفاء لها من »الضغط«، وتوقفت عن تناول الأدوية، بالفعل، في تلك الأيام.
لوحاتها تروي حكايتها من يافا الى المخيم، وفيلم الشكعة الذي اختار له عنوانا مبدئيا »ألوان مؤجلة« يروي سيرة أم استثنائية.