شركات تنتعش ودول تُفلس
أهل السياسة كلامهم في الغالب مفهوم، بينما أفعالهم تستعصي على الفهم. فعندهم ما يقولونه على الطاولة وما يدبرونه من تحت الطاولة، فبمنطق أهل السياسة فإن الكلام للاستهلاك والأفعال «للاستملاك». أما أهل الاقتصاد فإن كلامهم لا يفهمه سواهم أو من حام حول حماهم، ولكن أفعالهم تشرحها النتائج وتفسرها الأرقام.
ولأن كلا السياسة والاقتصاد توأمان لا يقبلان الانفصال، فإن جور أحدهما غالباً ما يظهر على الآخر. وفي قضية الأزمة المالية العالمية جارت السياسة على حقائق الاقتصاد، ولكن لم يستطع الاقتصاد إخفاء نتائج أعمال أصحابه. ففي مكان تزف الأخبار عن انتعاش في قطاعات تجارية وصناعية وأرباح لشركات توصف بأنها إشارات إلى الخروج من الأزمة التي تعصف بالعالم للسنة الثالثة، وفي مكان آخر ترد الأخبار عن تساقط المزيد من الدول في هاوية الإفلاس أو الوقوف على حافة هذه الهاوية. فأيهما أقرب إلى التصديق، الاقتراب من نهاية عنق الزجاجة، أم الانحشار في هذا العنق الذي يبدو أنه أطول مما كان متوقعاً؟
شركات السيارات تتعافى قليلاً في أميركا، والمزيد من البنوك الأميركية يسقط صريع الإفلاس. وعملية حلحلة لبعض القطاعات في دول أوروبية، تقابلها إجراءات مؤلمة تهدد بانفجار اجتماعي في دول أوروبية أخرى. والأزمة تزداد تعقيداً على الرغم من مساحيق السياسيين وأوراقهم المبعثرة على الطاولة وخطب الاستهلاك المحلي. وكلما ازدادت الأزمة تعقيداً واستشراءً كبرت علامات الاستفهام حول البئر السحيقة التي ابتلعت كل تلك السيولة التي كانت تغرق العالم فأصبحت كالصريم.
من منهما يصدّق العالم؛ السياسة وتطميناتها، أم الاقتصاد وزلازله التي لا تخطئ نتائجها الأبصار والقلوب التي في الصدور؟