أنا ملتزم..إذاً أنا «لا» أخالف! «2»
أعترف هذه المرة بأن البعض من المتابعين بعثرَ شيئاً من حساباتي في هذا الجزء من المقال، ولا أعلم إذا كان لدى هذا البعض بصيص من الشجاعة أو القناعة، ما يمكنه من تقرير أنه لا يعيش وحيداً في هذا الجزء من العالم، وأن الأمر يستدعي منه ألا يصبح أنانياً في تصرفاته لدى مواجهة الآخرين، وعندما يتقدم بهِ العُمر يُفترض أن تزداد قناعته شيئاً فشيئاً، فلا يصبح ذاك المتهور المنفرد في تصرفاته! لكن ما وجه الشبه بين الشخص الأخير، ومن اعتاد ارتكاب المخالفات أو ألفَ أمرها؟ وهو غالباً ما تجده يُعاركُ أنفه، إن لم يجد سبيلاً أو منفذاً إلى المخالفة، شخصياً أرى أنهم يتقاسمون أوجه الشبه، فهم يستسهلون كل شيء، وهم ليسوا بتلك القلة كما نظن!
أحسب أنهم لا يدركون أن في جعبة الموت ألف قصة، وربما إحدى هذه القصص ستروي عما قريب الحلقة الأخيرة! فلا تسمع لهم أزيزاً، ذلك لأنهم لا يجدون حرجاً في التقيد بأبسط القواعد حال قيادة المركبة، وستقرأ خبراً قصيراً يُقعدُ احدهم إلى الأبد.. مات ذاك البعض المتهور في حادث تدهور مركبة خارج الطريق! ولن تنتهي القصة عند هذا القدر من الفاجعة، لكنه «شرٌ مستطير» ينال من لا ذنب له! كما أنها استقامة الوقت والموقف مع ذاك المتهور، متسبباً في إيذاء الآخرين، وقد يكون المتضرر أسرة، وربما طفلاً صغيراً نائماً في المقعد الخلفي، آمناً في سيره، وهذا ذنبه فقط!
أحدث الأرقام تكشفُ أن ما يفوق الـ 90٪ من مسببات الحوادث المرورية المؤدية إلى الوفاة في الدولة، حصيلة أخطاء بشرية، ولو بحثت في أمر هذه الأخطاء، ستجد أنها عبارة عن مخالفة مرورية، لا تتجاوز قيمتها المالية الـ200 درهم، كاستخدام الهاتف النقال بواسطة اليد أثناء القيادة! أعودُ إلى البعض الذي بعثر شيئاً من حساب الكلمات، والذي يُصرّ ويقضي بأغلظ العبارات، بأنه مراقب في كل مكان، وربما في نومه! متناسياً أن في الالتزام أمراً يقطع الطريق على ذلك الشرطي، ولا حاجة لك بخيال لا صحة منه، أو بأنهم يصطادونك عند أضيق الطرق! وإن كان في ذلك حق، فهذا يفصح بأنك لن تلتزم بأبسط القواعد، لأنك في حقيقة الأمر لا تؤمن بحاجتك إلى مثل هذه القواعد، التي كنت مؤدياً لها عن ظهر قلب قبل أن تحصل على رخصة القيادة! كما أنني لا أجد مبرراً أو داعياً إلى التحجج بأمر ذاك الشرطي، لأنك ببساطة لن تستشعر أهمية الالتزام، إلا إذا واجهت درساً قاسياً متمثلاً في حادث أليم ومؤسف، وربما تصاب من خلاله -حتماً لا أتمنى ذلك- ولكن عندها فقط يصبح الالتزام أو مجرد التفكير فيه، ضرباً في غير محله!