رؤية
الرقابة والتفتيش في الإمارات
بقدر ما أكدت الأزمة المالية العالمية التي تعرض لها العالم في أغسطس 2008 حقائق مفجعة وصعبة للأوضاع المالية والاقتصادية في العالم، فإن هذه الأزمة حملت في طياتها العديد من الإيجابيات، لاسيما بالنسبة لاقتصادات دول الخليج، ومنها اقتصاد الإمارات.
ومن تلك الإيجابيات بداية كشف حقيقة الفساد الإداري والمالي وحجم التجاوزات الخطيرة الكامنة في شركاتنا ومؤسساتنا المالية والمصرفية والاستثمارية، ويبدو أن شعور هؤلاء بأن «مورفين» المال الناجم عن تلك الأزمة، الذي أصبح معرضاً للنضوب أو الهجرة إلى خارج محيط اقتصادنا كشف عن خلايا الفساد الضاربة في تلك الشركات والمصارف والمؤسسات، التي لم تستثن الأجنبية منها والوطنية، وكانت هزة قوية لأجهزتنا وإنذاراً مدوياً لأصحاب القرار الاقتصادي في الدولة، مؤكدة أن الأمن الاقتصادي أصبح يشكل ضرورة ملحة وعصباً مهماً في سياستنا التنموية، وفي مسيرة بناء اقتصاد حر مؤسس على الثقة والشفافية والصدقية والبيئة الاستثمارية النظيفة الخالية من أي شوائب أو تجاوزات تعصف بكل ما حققته الدولة عبر مسيرتها الطويلة.
وإذا كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أصدر القانون رقم (37) لسنة 2009 حول استرداد الأموال العامة والخاصة، التي تم الاستيلاء عليها بطرق غير قانونية، فإن الأمر يجب ألا يتوقف عند قانون محلي، إذ يستوجب أن يصار إلى وجود قانون اتحادي يحمي كل مكتسبات الدولة ويصون أجهزتها الاتحادية، لاسيما المالية منها والاقتصادية، وإمارة دبي إحدى المحطات الرئيسة التي تحتضن أجهزة ومؤسسات اتحادية.
لقد اشتملت سجلات ديوان المحاسبة على الكثير من التجاوزات الخطيرة التي شهدتها عقود السبعينات والثمانينات، إذ كانت وزاراتنا ومؤسساتنا الحكومية عرضة لمختلف أشكال النهب والسرقة والتجاوزات، ودوماً ما يصار إلى حفظ تلك التقارير الخاصة بديوان المحاسبة حتى أصبح ديوان المحاسبة معطلاً عن دوره لغياب آلية العقوبات عن أولئك المتورطين والمفسدين في وزاراتنا ومؤسساتنا، ومن بينهم مواطنون على درجات وظيفية مختلفة، لكن يد القانون لم تصل إليهم، الأمر الذي أدى إلى استفحال مختلف أشكال الفساد الإداري والمالي، الذي تجاوز وزاراتنا ومؤسسـاتنا الحكومية الاتحادية والمحلية، ليصل إلى شركاتنا ومصارفنا ومؤسساتنا المالية الخاصة، في ظل التراخي وغياب العقوبة وضعف الدور الرقابي في أجهزة الرقابة والتفتيش، ومنها ديوان المحاسبة الاتحادي، فهل ننتظر تشريعاً اتحادياً مماثلاً لقانون حكومة دبي يحمي الأموال العامة من السرقة وتجاوز المسؤولين في الدولة، ويحمي حقوق الدولة ومواطنيها ويؤسس لمرحلة جديدة تتسم بالشفافية، ويطلق يد ديوان المحاسبة والأجهزة الرقابية الأخرى لمحاسبة مرتكبي جرائم المال العام وتقديمهم إلى المحاكمة وينزل بهم أشد العقوبات؟ أم أنها فترة وتمضي وتعود السرقات والتجاوزات ليعيث اللصوص فساداً في أجهزتنا الحكومية والخاصة؟