حول الثقافة السينمائية
لم تظهر عندنا مجلات سينمائية شهرية إلا في حالات نادرة، لكنها لم تستمر ولم تحقق حضوراً ثقافياً، واعتمدت، غالباً، على دراسات مُترجمة أو معدة، ولم تُؤثر، لا في صانعي الأفلام ولا في منتجيها ولا في جمهورها. بالمقابل بدأت تظهر في العالم مجلات سينمائية منذ العام ،1907 أصبحت مع انتشار صناعة الأفلام مجلات متخصصة شهرية، تتناول بالدرس والتحليل الافلام والمخرجين، وتجري حوارات فكرية مرجعية حول نظرية السينما، وتمارس مناهج النقد النظري والتطبيقي، وتنشر الثقافة الفنية بين صناع الأفلام وبين الجمهور بشكل واسع.
تخبرنا الأدبيات السينمائية عن مجلات أدت دورها الفعال ومارست تأثيرها الكبير في من كتب وأنتج وصنع وشاهد الأفلام، كمجلة «كلوز اب» في جنيف أو مجلة «سينما»، ومجلة «سينما - صافية» في باريس، أو مجلة «شاشة» التي تحولت إلى مجلة «صوت وصورة»، بعد أن تبنى إصدارها المعهد السينمائي البريطاني، أو مجلة «أسود وأبيض» التي أصدرها المركز التجريبي السينمائي الإيطالي. وأسهمت كل هذه المجلات، مع غيرها، في مجال الحوار الفكري والجمالي والسياسي الذي كان يدور تاريخياً حول نظرية السينما وصناعتها. ولنذكر مثلاً أن الناقد اندريه بازان صاغ نظريته الفيلمية عبر مجلة «دفاتر السينما»، كما أن نقاد المجلة أنفسهم تحولوا إلى الإخراج وحققوا أفلام «الموجة الجديدة» في فرنسا.
والآن بعد أن انتشرت عندنا المجلات المتخصصة بشكل هائل، مازلنا نفتقر إلى تلك الثقافة السينمائية والمهنية العالية التي يمكن أن تنتشر وتؤثر في إنتاج الأفلام وفي صنعها ومشاهدتها، ويبدو أن سعينا إلى تجاوز نوعية الأفلام العربية المألوفة لن ينجح من دون أن نلتفت إلى أهمية نشر الثقافة السينمائية الجادة في مجتمعاتنا، علّنا نستطيع المساهمة أيضاً في تغيير نوعية الجمهور الذي يشاهدها، ليستطيع أن يحبها ولا يدير لها ظهره.
لنعترف أولاً بأن أساس ظهور مجلة سينمائية عربية متخصصة هو أمر معقد وصعب للغاية، لأن مجلة من هذا النوع المميّز تحتاج إدارتها إلى طاقم مختص يبدو موضوعياً كأنه غير موجود، لكن يمكن من دون شك إيجاده وتطويره بالتزامن مع ظهور المجلة وانتشارها، فعندنا مجموعة من السينمائيين والنقاد المتمرسين والكتاب الذين بوسعهم الإشراف على إصدارها، وعلى وضع المقدمات والأصول المطلوبة، تدريجياً، لتلبية حاجتها إلى كادر خاص، يصبح جديراً بالكتابة فيها.
لماذا لا تكون مهمة كهذه، مثلاً، مهمة لمهرجان دبي أو لمهرجان أبوظبي، ليصنع كل منهما مشروعه المناسب في إصدار مجلة سينمائية مستقلة عن المهرجان، خصوصاً أنهما يمتلكان المال اللازم ويسهمان في تنفيذ نشاطات سينمائية عربية، ويبذلان جهوداً عسيرة للمشاركة في إنتاج الأفلام، ويخصصان جوائز مالية كبيرة للأفلام الفائزة في مهرجانيهما.
وتبقى مسألة إصدار مجلة عربية من هذا النوع تكون قادرة على تلبية حاجتنا الماسة والضرورية إلى ثقافة سينمائية وفنية أصيلة، مرتهنة بمبادرة جهة راعية قادرة بدورها على تبنيها ووضع خطة ناجحة تلتزم بإصدارها وترعى ميلادها ونضوجها وانتشارها، لتأخذ مكانها الطبيعي المُنتظر في حياتنا الثقافية المعاصرة.