أقول لكم
يطرح بعضنا علامات استفهام كثيرة حول ردة الفعل العربية من اتفاقية النيل التي وقعتها دول المنبع، بعيداً عن مصر والسودان، فالذي يراقب يستغرب الهدوء الذي يلف قضية بحجم هذا النهر، وما يمثله للبلدين العربيين، وكيف يمكن أن يؤثر أي مساس بالمياه المتدفقة نحو المصب في حياة نحو 100 مليون نسمة ومدى الأضرار التي يمكن أن تلحق بالمنطقة كلها نتيجة انفراد بعض الدول بالمياه، وقتل الحياة في دول أخرى. وسبب الاستغراب أن كل المؤشرات تسجل استحالة الحياة في البلدين إذا اختل تدفق مياه النيل جراء إقامة مشروعات استغلال جائر للمياه في دول المنبع، مثل إقامة السدود، وتحويل مجرى بعض الفروع، ومحاولة زرع الصحارى الشاسعة في الدول السبع الأخرى، وتوليد الكهرباء، وغيرها من المشروعات القائمة على التحريض السياسي والأطماع الفردية، بعيداً عن الحقوق التاريخية.
ويتساءل البعض منا أيضاً عن الأسباب التي تجعل مصر والسودان في حال استرخاء لولا بعض التصريحات الخجولة التي صدرت عن مسؤولين بشكل مقتضب، ويبحثون عن التحليلات وجلسات النقاش على الفضائيات، علهم يجدون ما يجيب عن تساؤلاتهم، ولكن الكل منشغل بلا شيء، ويتذكرون مباراة مصر والجزائر، تلك المباراة التي كانت ستؤدي إلى صعود أحد المنتخبين إلى نهائيات كأس العالم، وكيف اختصرت الكرامة الوطنية والحياة والموت عند كرة لا تغني ولا تسمن من جوع، فهذا النيل، والنيل إن ترك ليُعبث به ويسلب حق في مياهه ظهرت إلى الوجود قضية لا يمكن مقارنتها حتى بقضية فلسطين وما حدث بها، فمن منا يمكن أن يتصور ذلك الشريان المتعرج من جنوب السودان إلى أطراف الإسكندرية، وقد ردم بعد أن قطع في الدول السبع، كل دولة بحجمها وحجم الأموال التي ستتدفق عليها.
إنها مؤامرة، قبل المنظرون أم رفضوا ذلك المبدأ الذي يقوم على النيات السيئة، فهي مؤامرة يجب أن توأد في مهدها، بموقف رسمي معلن من مصر والسودان، ليسمعه العالم كله، وبمساندة عربية مطلقة توجه إلى كل من يتلاعب بالحقوق الطبيعية والتاريخية لهذه الأمة رسالة لا لبس فيها، وأن نتحرك في كل اتجاه، وأن نستخدم كل الأساليب، وكل الخيارات المتاحة، دبلوماسية وقانونية وغيرهما، فهذه مؤامرة يجب أن توأد في مهدها حتى لا نتباكى غداً.