سراب نسمّيه صناعة
في الوقت الذي نستمع من بعض مسؤولي المؤسسات المحلية والاتحادية إلى أخبار إنجازات الصناعات الوطنية وآفاقها المستقبلية، ونقرأ أرقاماً وإحصاءات تشير إلى تطور صناعي سمته الكم لا الكيف خلال العقود الثلاثة الماضية، يكتفي بعض منصات معارضنا الخارجية بصناعاتنا الوطنية من أكلات الدنقو والباجله والرقاق!
ومع ولعنا جميعاً بالأكلات الشعبية تلك، وشغف زبائن المعارض بتذوقها وبرسم الحناء المجاني، ومع إيماننا بأهمية التعريف الثقافي لمشاركاتنا الخارجية، إلا أن المساهمة أيضاً بصناعات محلية ذات جودة وقيمة مضافة تعتبر أمراً مهماً في عالم اليوم ضمن ما تزهو به مشاركات دول أخرى بصناعات وتقنيات تثري وجودها وسمعتها الدولية.
وإذا افترضنا ضرورة عرض كيفية لف الحصير أمام جمهور المعرض، فمن المسلّم به بعد 40 أو 50 سنة على بدء الأجداد تلك الحرفة أن يقدم الأحفاد في المعرض نفسه ما وصلت إليه تلك الصناعة من حصير أنعم ولو بقليل!
وبعودة إلى مناطقنا الصناعية في الدولة فإن زيارة ميدانية واحدة ستبرز كماً هائلاً من شركات غلب عليها طابع الكثافة العمالية، وغابت عنها تقنيات الأتممة الصناعية، وبيئة طاردة من روائح ونفايات وزيوت سوداء تسربت إلى مياهنا الجوفية، بعد أن اسودّ سطح الأرض منها، إضافة إلى مركبات خردة كأنها قصفت بصاروخ عن بعد، وحرائق شهرية تستقطب جمهوراً ينافس منصات «ستار أكاديمي».
وعلى الرغم من مبادرات لا بأس بها لمعهد التكنولوجيا التطبيقية وطلابها، فإننا مازلنا نبحث عن استراتيجية صناعية معلنة تحمل البعد الزمني الواضح بدءاً من تفعيل سياسات البحث العلمي في مدارسنا وجامعاتنا بتقليل عبء ساعات التدريس الأكاديمية لمصلحة ساعات البحث العلمي، وبمشاركة فاعلة من طلبتنا، وخلق بيئة جاذبة في مؤسسات تعليمية ملائمة لجيل جديد من المواطنين الصناعيين، وإلا فإن وقفة صادقة في تعريف الصناعة المحلية ستذهب لا محالة إلى حقيقة مؤداها أن المدخلات هي مواد خام مستوردة، تديرها آلات وفنيون وعمال مستوردون، ومخرجات في أقصاها «محارم ورقية»!