أبواب
قرصنة دموية
البحر الأبيض المتوسط، لم يكن مجرد مياه بين اليابسة. لم يكن مجرد أزرق فيروزي متمدد في الأرض. إنه جسر الماء بين حضارات عدة، صاغ ولايزال يصوغ تاريخ الشعوب. هو مؤرخ مائي لتبادل الثقافات بين الحضارات الكنعانية والفينيقية والفرعونية والسومرية والبابلية والآشورية والرومانية واليونانية.
البحر المتوسط قنطرة زرقاء ربطت بين الجهات، فهو يقع غرب آسيا وشمال إفريقيا وجنوب أوروبا. وهو يد الماء والثقافة والحوار الحضاري التي تمتد الى ثلاث قارات.
أما الآن، وبعد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، غام البحر بالحزن، وتجلل بالعتمة، وصار ساحة لقراصنة دمويين لا يعتبرون لأي وازع إنساني، ولا يعرفون سوى القتل والنهب والعدوان على فلسطين كلها، بنت الأبيض المتوسط، بنت الماء وجارة النهر.
الآن، الاحتلال يصوغ مشهداً جديداً.
دم على البحر الأبيض المتوسط.
دم على البر، ودم في نشيد الأمم.
دم على مخطوطة المياه، ودم في «أسطول الحرية».
دم على غزة.
دم على العزة.
هكذا لا يتوقف الاحتلال الصهيوني عن جرائمه ضد شعب يحاول تأسيس حريته. ولم يتوقف هذا العدو الذي يؤكد يومياً رغبته في صياغة مشهد دموي. وبعد سلسلة من المجازر التي ارتكبها ضد الشعب الفلسطيني، من بينها «محرقة غزة» في ديسمبر من العام ،2008 ها هو الاحتلال يحتل الماء، وعلى «المياه الدولية» يرتكب قرصنة دموية بحق الإنسانية.
جنود مدججون بالنار والكراهية يطلقون «الموت» من فوهات بنادقهم باتجاه نشطاء إنسانيين من دول متعددة، كان أملهم كبيراً، وتحديهم كبيراً، وحلمهم كبيراً، ليكسروا الحصار الذي يخنق أهالي غزة منذ سنوات.
كان نشطاء الإنسانية يحملون على ست سفن مساعدات إنسانية من أغذية وملابس وأدوية ومواد تعليمية الى غزة التي كانت تنتظر على شاطئ البحر أحداً يقول لها إنها لن تظل وحيدة، ولن تبقى عتمة الحصار تنهش البشر والبحر والحجر. غزة كانت تعد استقبالاً يليق بنشطاء الحرية.
غزة التي تبتكر كل يوم صيغة للحياة، رغم الحصار، استعدت لفرح «لم يكتمل»، فالاحتلال لا يريد سوى الدم مشهداً، ولا يريد نقطة فرح في بحر غزة وفي فلسطين كلها. وما قامت به عصاباته من قرصنة دموية على «أسطول الحرية»، وتدنيس لبحر الحضارات، وقتل مع سبق الإصرار والترصد، يكفي ليوقف المهرولون هرولتهم باتجاه من لا يريد سوى أن يكون «بلطجي المنطقة» الذي يلاقي كل دعم من «البيت الأبيض» الذي، بدوره، «يأسف» فقط، على وقوع ضحايا في الجريمة الإسرائيلية ضد مناصري الحرية وضد الإنسانية.