من المجالس
لتحريك المياه في أي بركة راكدة لابد من حجر، وقد أصاب الموقف الرسمي العربي والدولي الركود تجاه حصار غزة إلى درجة القبول بالأمر الواقع والتعايش مع الإرادة «الإسرائيلية»، بإبقاء القطاع تحت الحصار الهمجي الشامل والانصياع لقواعد اللعبة الصهيونية المدعومة من الغرب. وقد ازدادت مياه هذا الموقف ركوداً وصارت تفوح منها روائح تستعصي على تحمّل، ليس من بالداخل فقط، وإنما من كل الدوائر القريبة والبعيدة عن شواطئ وأراضي غزة. ولكي يكون الحجر كبيراً بما فيه الكفاية لتحريك المياه وإثارة أمواج تجتاح سواحل الصامتين والقابلين كان لابد من يد رسمية تملك الأدوات والقدرة على حمل هذا الحجر بكل ثقله ليؤدي مهمته. وقد تصدت تركيا لهذا الدور، مستحضرة التاريخ والرصيد والدور والجغرافيا، ومنطلقة من مواقف رسمية وشعبية استطاعت أن تقود الدعم العملي للموقف الفلسطيني خلال وبعد محرقة غزة المتواصلة. وقد وضع الموقف التركي الموقف الرسمي العربي في مأزق كبير أكثر من مرة، وقد كان المأزق أكثر وضوحاً على وجه عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية يوم الانسحاب الشهير لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من منتدى دافوس إثر مشادة مع رئيس الكيان الصهيوني شمعون بيريز حول العدوان على غزة. والآن يجد الموقف العربي، وخلفه الموقف الأوروبي (لوجود مواطنين أوروبيين على متن سفن أسطول الحرية) نفسه في مأزق أكبر وأشد بعد الهجوم الهمجي للبحرية الإسرائيلية على الأسطول، وقتل وإصابة العديد من نشطائه الأحرار العزل. ومن الخطأ هذه المرة أن يسود الاعتقاد بأن تداعيات الحادث الجديد لن يزيد على ردود أفعال عاطفية وخطابية ثم تنقشع الغيمة، فقد ساد هذا الاعتقاد طويلاً وفي كل مرة انقشعت الغيمة ولكن بعد أن أنزلت حملها على الأرض العربية لتزرع المزيد من الغضب الكامن الذي أدى، وللأسف، إلى وقوف المزيد من الغاضبين على قائمة انتظار تفجير الغضب. إسرائيل لا تلعب فقط بأمن الفلسطينيين وحدهم، وإنما تعمل على توسيع اللعبة أكثر من ذلك بكثير، ولن يقف هذا اللعب الخطير إلا بموقف سياسي عربي يجاري الموقف التركي الصارم ويتضامن معه.