اختلال النظام المالي العالمي وتأثيره في اقتصادنا
إن من إيجابيات الأزمة المالية العالمية 2008 أنها كشفت مدى هشاشة النظام المالي العالمي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، وحقيقة الاختلالات المزمنة التي كان ومازال يعانيها الاقتصاد العالمي بفعل التحرير غير المسبوق للاقتصادات والأسواق العالمية، ومنها الأسواق والاقتصادات الناشئة، مثل اقتصاد الإمارات الذي من الطبيعي أن يتأثر بتداعيات الأزمة المالية وبالأوضاع الاقتصادية الأميركية التي كانت تتفاعل ومنذ عقد من الزمن، وكانت تنذر بهذا الانفجار الذي حدث في أغسطس ،2008 وكان اقتصادنا الوطني والخليجي أحد ضحاياه.
وكان اقتصاد الإمارات وسوقاه الماليان يتسابقون نحو تحقيق انفتاحات كبيرة على الاقتصادات والأسواق العالمية، وكانت لغة تحرير اقتصادنا وأسواقنا هي اللغة الطاغية التي يتحدث بها أصحاب القرار الاقتصادي والمالي والمصرفي في دولتنا، وكانت العولمة الاقتصادية والتسريع في الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وتحرير الأسواق والاقتصاد الحر، والحرية الاقتصادية، كلها مفردات اللغة الطاغية في حديث المسؤولين باعتبارها الكفيلة بتوصيلنا إلى هدفنا الأسمى، وهو تحقيق الاندماج الكلي في الاقتصاد العالمي، وكان الانبهار بالنموذج الأميركي هو الدافع نحو التسريع في كل هذا.
لم يكن أصحاب القرار الاقتصادي في الإمارات، بمن فيهم أصحاب القرار في القطاع الخاص والقطاع المصرفي والمالي، مدركين لحقيقة وأبعاد الاختلال الكبير في النظام المالي العالمي، وما يعتريه من اختلالات في بنيته الهيكلية، بعد أن تعرضت قواعده إلى هزة عنيفة، والذي تقوده الولايات المتحدة إلى الهاوية، إذ يعاني اقتصادها تردياً خطيراً في الأوضاع خلال العقدين الماضيين، وعجزاً مزدوجاً في الحساب الجاري والميزان التجاري، وفي موازنة الحكومة الاتحادية.
وما فاقم من الاختلالات في الأوضاع الاقتصادية والمالية والتجارية الأميركية، وانعكس بالتالي على مختلف الأوضاع الاقتصادية العالمية، ومنها اقتصادنا الوطني الناشئ، هو فشل الولايات المتحدة في تنظيمها لأسواقها المالية، ولاسيما خلال فترة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، التي شهدت سياسات نقدية غير منتظمة ومتذبذبة، إضافة إلى عجز مالي متفاقم، وتراجع حاد في أسعار الفائدة على الودائع بالدولار الأميركي.
وهكذا ظلت دول الخليج داعمة للاقتصاد الأميركي، سواء بربط عملتها بالدولار المنهار، أو بضخ سيولة ضخمة من خلال صناديقها الاستثمارية أو مصارفها التجارية، أو من خلال استثمارات القطاع الخاص في قطاعاتها التي تعاني تراجع العائد عليها، وكان لهذا الحجم الكبير من السيولة والاستثمارات الذي تلقاه الاقتصاد الأميركي من دول الخليج ودول نفطية وآسيوية أخرى الأثر الكبير في تفاقم حجم المديونية الخارجية، التي تجاوزت 13 تريليون دولار في يونيو الماضي.
من هنا يجب إعادة النظر في درجة ارتباط اقتصادنا الخليجي بنظيره الأميركي، ومراجعة الأوضاع في النظام المالي العالمي وحجم تأثيره في اقتصادنا، ووضع رؤية يشارك فيها مختلف المسؤولين الاقتصاديين والماليين في القطاع العام والمصرفي والخاص، ثم أهل الفكر الاقتصادي الاستراتيجي، لتحصين اقتصادنا والمحافظة عليه من أي هزات أو أزمات مستقبلية.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .