الحلم والزنزانة «1-2»
أصدرت الأمانة العامة لدمشق عاصمة الثقافة العربية/،2008 سلسلة «أعلام الأدب السوري» عن كتاب الشعر والرواية والقصة والمسرح والشعر، وصدر من بينها كتابان «أدونيس.. عراف القصيدة العربية» للدكتور عابد اسماعيل. ومحمد الماغوط. «سنونو الضجر» للكاتب خليل صويلح. ومع ان كلا الشاعرين يختلف في إبداعه، تماماً، عن الآخر، إلا إن كليهما نشأ في عائلة فقيرة وانتمى إلى الحزب القومي السوري ودخل السجن وزرع في حديقة مجلة «شعر» كتابة إبداعية متمردة، أصابت عدواها شعراء آخرين، ولعب كل منهما، بصورة مختلفة، دوراً ريادياً في رحلة الشعر العربي الحديث وفي تغيير معنى التذوق الشعري، كما أن معظم النقاد عدوا أدونيس رائداً للشعر المعاصر ومستكشفاً للحداثة العربية وناطقاً أكثر فصاحة باسمها، وعدوا، الماغوط، أيضاً، وجهاً آخر لعاصفة الحداثة وأباً شرعياً، من دون منازع، لقصيدة النثر العربي.
الحــــلم
غادر أدونيس سورية إلى لبنان في العام ،1956 وحينما التقى الشاعر اللبناني يوسف الخال، بدأ فصلٌ جديدٌ في حياته. كان الخال لصيق الصلة بالشعراء أمثال اليوت وعزرا باوند وغنسبرغ حتى انه كان، أحياناً، يراسلهم. وفي لقاء عمل جمع الخال وأدونيس حضره خليل حاوي وفؤاد رفقة، تقرر اطلاق مجلة «شعر» في مطلع العام 1957 واصدر أدونيس ديواني شعر هما «قصائد أولى» و«أوراق في الريح»، وألحقهما بإصدار ديوانه الأكثر شهرة «أغاني مهيار الدمشقي» في العام ،1961 الذي قيّم نقطة تحول ليس في تاريخ أدونيس الشعري فحسب، بل في تاريخ الحداثة الشعرية العربية «ماذا اذن ليس لك اختيار/ غير طريق النار/ غير جحيم الرفض/ حين تكون الأرض خرساء او إله».
في احدى جلسات مجلة «شعر»، قرأ أدونيس قصيدة للماغوط بحضور يوسف الخال وأنسي الحاج والرحابنة، من دون إعلان اسمه، تاركاً لهم أن يحزروا من كتب القصيدة: بودلير أم رامبو؟
استمر أدونيس يلعب دور الملهم والموجّه في مجلة «شعر»، التي قدمت شعراء ونقاداً عرباً تحولوا في بلدانهم إلى ايقونات، وكان من بينهم سعدي يوسف وانسي الحاج ومحمد الماغوط، إضافة إلى أن المجلة ترجمت نماذج من الشعر العالمي، ويكاد لا يختلف اثنان على أن المجلة أحدثت صدمة شعرية وفكرية، وخلخلت كثيراً من المفاهيم الثابتة في جمالية ومعرفية الشعر. وقد جوبهت المجلة بنقد عنيف، أيضاً، وصل إلى حد اتهامها بالعمالة.
اختلف أدونيس فكرياً مع زملائه، ربما تحديداً مع يوسف الخال، لأنه سار في قصيدته النظرية ومناداته بتعزيز سلطة المجاز وتكريس الإيحاء في الشعر، بينما نادى الخال بضرورة احترام البساطة في التعبير الشعري وحتى استخدام اللغة المحكية.
غادر أدونيس مجلة «شعر» وأسس مجلة «مواقف» في العام 1969 ـ استمرت حتى العام 1994 ـ وتابع إثارة أسئلته الإشكالية «كمسافر يحمل النور نحو مزيد من النور»، وليعصف بما هو ثابت وليحرر ما هو متحول. أما اليوم «هو ذا يأتي كرمح غازياً أرض الحروف.. وينغرس بين آلة الموت وحيوان الألفاظ وينجذر ويلعب نرد الطبيعة». تقول الناقدة خالدة سعيد زوجة أدونيس «أراه اليوم طفلاً طوّر حلمه، ولايزال يحمله إلى ضفاف الحوار الكوني».
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .