ذكرى الإسراء والمعراج
تتجدد ذكريات الإسلام ويتجدد معها الإيمان، والثبات على الإسلام، والتطلع إلى العز في الأوطان، واسترداد الحقوق لبني الإنسان. وذكرى الإسراء والمعراج لسيد البشر، صلى الله عليه وسلم، يتجدد معها معاني المعجزات الكبرى لسيدنا محمد، وآثارُها الكبيرة في أمته، تستدعي منا الوقوف عند معانيها ودلائلها العظيمة، وأهمها: 1- ما كان لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، من التكريم والتعظيم في ليلة الإسراء والمعراج، إذ نقله على براق الأنبياء إلى المسجد الأقصى الذي بارك حوله، أرض النبوات ومهد الرسالات، وجمع له الأنبياء والمرسلين وهم أحياء في قبورهم عند ربهم يرزقون. جمعهم في ذلك المقام وهم في عالمهم البرزخي الغيبي؛ ليسلموا له قيادة أممهم بشرع الله تعالى لهم الذي كان مُغياً ببعثة محمد بن عبدالله، فلما بعثه الله تعالى جاؤوا له مرحبين ومباركين، ولقياد أممهم مسلمين. 2- ما بين المسجدين ـ الحرام والأقصى ـ من الترابط الإيماني والتشريعي، فالمسجد الحرام أول مسجد في الأرض، رفع الله بنيانه، وشيد أركانه بالملة الحنيفية، والمسجد الأقصى كان تالياً له بالبناء، وما كان سليمان يدعو إلا إلى الإسلام لله رب العالمين، وإذْ قد انتهت شرائع الأنبياء وقد كانوا أولاد علات، دينُهم واحد وهو الإسلام، وشرائعهم مختلفة بحسب الزمان والمكان، وكان كل نبي ينسخ شرع من قبله مع بقاء أصل الإسلام الذي لا يقبل الله تعالى ديناً سواه؛ ليدل على أن واجب أصحاب الشريعة الخاتمة القيام بحمايته وعمارته، كما يفعلون في الحرمين الشريفين، فهي المساجد التي تشد إليها الرحال، وتحط عندها الأوزار الثقال، ولولا هذا المعنى لجمع الله الأنبياء في مسجد أبيهم إبراهيم الذي «ببكة مباركاً» ولعرج به إليه منه، فهو أشرف عند الله منزلة، وعنده أداء الفرض الخامس من أركان الإسلام، وهو تحت ظل بيت الله المعمور في السماء السابعة. 3- ما كان لسيدنا محمد بن عبدالله من المكانة عند ربه؛ حيث اصطفاه إلى مقام القرب، وأدناه من حضرة القدس بروحه وجسده، وأوصله إلى سِدرة المنتهى، بل إلى محل سمع فيه صريف أقلام القدرة الإلهية، وأوحى إليه ما أوحى، وأراه من آياته الكبرى ما رأى، وأطلعه الله على جنة المأوى، والملكوت الأعلى، وما أعد الله له ولأمته من النعيم الذي لا يحصى، وما أعده لأهل الجحود والعصيان من العذاب الذي لا يطاق والأجساد عليه لا تقوى، ليخبر بعد ذلك عن رأي عين؛ إذ ما راءٍ كمن سمعا، وقد كان أبوه إبراهيم طلب من ربه أن يريه بعض ملكوت السماوات والأرض وكيف يحيي الموتى، فأعطاه، وأخوه موسى طلب من ربه أن ينظر إليه فما أعطاه، وهو كليمه ومصطفاه، وسيدنا محمد لم يزد على أن شكا إليه ضعف قوته وقلة حيلته، فأعطاه فوق ما تمناه، وسارع ربه إلى رضاه. 4- ما أكرمه الله به في هذه الليلة من كرامة الصلاة التي جعلها خمساً في العمل وخمسين في الأجر، كي لا يشق عليه مفارقة العروج وقد ذاق حلاوة القرب منه سبحانه، وليكرم أمته بنحو ذلك العروج؛ حتى تترسم خطى نبيها وترد عليه الحوض. فهذه بعض آياته الكبرى التي امتن الله تعالى بها على نبيه المصطفى، التي لا ينبغي أن تغيب عن ذكرنا ونحن نتفيأ ذكرى إسراء سيد البشر، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن لذكريات الحوادث أثراً عظيماً في تثبيت الإيمان، والاستقامة على طاعة الرحمن.
❊ كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجي النفر علي اسمة