أبواب

من يرث الرحابنة؟

يوسف ضمرة

كان هذا عنوان مقالة للشاعر عبده وازن قبل أيام. ولأننا بعيدون عن لبنان وشؤونه الداخلية، على الرغم من كونها ليست خاصة أو محلية، لكن الإعلام العربي لم يكن يسلط الضوء على هذه الظاهرة، كما يفعل الإعلام اللبناني نفسه.

فقد علمنا من المقالة السالفة الذكر، أن عدداً من أبناء الرحابنة أخذوا على عاتقهم تشويه صورة عاصي الرحباني، ثم فيروز في درجة أقل، ليقولوا في نهاية الأمر إن منصور الرحباني هو العمود الرئيس في خيمة الرحابنة. ومن الطبيعي أن نعرف أن هؤلاء هم أبناء منصور الهواة، الذين لم يسجلوا أي حضور فني في أي مكان على الخريطة العربية، ربما باستثناء بعض وسائل الإعلام اللبنانية محدودة الانتشار. وهؤلاء الهواة، يتناسون أن منصور الرحباني نفسه كان يؤكد أن شقيقه عاصي هو العصب الرئيس في الجسد الرحباني.

وحده زياد الرحباني لم يدخل في هذا السجال، ذلك لأنه لم يتكئ في مسيرته الفنية على تاريخ العائلة أو اسمها، وإن قال في مقابلة تلفزيونية إنه يدين بنصف مسيرته إلى المناخ الرحباني الذي نشأ فيه.

فمنذ البداية اختط زياد لنفسه خطاً مغايراً، لا ليختلف مع والده وعمه لمجرد الاختلاف، وإنما ليؤكد أن الفن فعل متحرك وحي، قادر على التفاعل مع المتغيرات والتطورات الثقافية والاجتماعية في أي مرحلة زمنية. وهو ما جعل زياد الرحباني ينأى بنفسه عن خلافات الوراثة الفنية والسفاسف التي لا أهمية لها إلا في تسويق بعض الأسماء الصغيرة، التي تجد في مهاجمة الكبار فرصة تاريخية للبروز. وهذا ما لم يكن ليحتاجه زياد الرحباني، العارف بالفن وأسراره، والقادر على تجاوز مرحلة فنية بسمات محددة، ليأتي بسمات مغايرة فرضتها رؤيته الثقافية المختلفة عن رؤية السابقين.

وبصرف النظر عن تأييد البعض أو رفض البعض الآخر لما جاء به زياد الرحباني، ولما اقترحته رؤيته الفنية المغايرة، إلا أن أحداً لا ينكر أن زياد الرحباني لم يكن ليستند إلى تراث العائلة أو اسمها، على الرغم من تشربه روح تلك المناخات الفنية التي واكبها منذ صغره. وعلى الرغم من ذلك كله، لم يخرج علينا زياد لكي يسيء إلى عمه منصور، ولا لكي يؤكد شرعيته في وراثة العائلة فنياً. فهو يقدم نفسه فناناً مختلفاً تماماً، وربما لا يعرف البعض أن والدته السيدة فيروز، وجدت صعوبة في بعض الأحيان في التأقلم مع رؤية زياد الفنية. بل أشيع أنها رفضت مشاركته أكثر من مرة، قبل أن تصيب معه النجاح الكبير الذي حققته بعبقرية زياد. وهو ما دفعها إلى الموافقة المطلقة على إعادة توزيع أغنياتها القديمة من قبل زياد، وفق رؤيته الجديدة، التي تستلهم الماضي الفني، وتمزجه بروح الحاضر والمستقبل.

لن يتمكن بعض أبناء منصور الفنان الكبير، من إقصاء عاصي من الذاكرة الفنية، أو من شجرة العائلة. ولن يتمكنوا من التسلق على أكتاف عاصي أو والدهم منصور أو اسم العائلة. وكل ما يحتاجونه فقط هو الموهبة الفنية أولاً، قبل أن نتحدث عن أشياء أخرى، لكي نسمع بأسمائهم ونستمع إلى بعض أعمالهم التي لا نعرفها، ولا نظن المواطن العربي يعرف عنها شيئاً حتى اللحظة.

damra1953@yahoo,com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجي النقر على اسمه

تويتر