أبواب
شمس مهدورة
منذ السديم الأول، والشمس تبث الحياة، كما الماء تماماً. لم تتعب ولم تهدأ ولم تمل مهمتها الكبرى في الحياة، على الرغم من حالات مرضها أثناء الكسوف. لقد ظلت مصدراً للطاقة والخيال، ودخلت في مراتب كثيرة في حياة الإنسان، فكانت مقدسة في الأساطير عند العرب وغيرهم من الشعوب. ومن عليائها واظبت الشمس على إضاءة روح البشر بالأفكار والحياة والدفء، فكانت أميرة في القلوب وفي القصائد، وأميرة الضوء والمعاني الكبرى.
هي الشمس، كانت مع الزهرة والقمر ثالوث العرب الديني، قبل الإسلام، فكانت معبودتهم، وكاتبة سيرة النهارات والفصول.
وعلى الرغم من أنها تبلغ من العمر نحو أربعة مليارات ونصف المليار سنة، إلا أنها لاتزال تتباهى بشبابها وفتنتها في الكون، وأصبحت مفردة في الوجدان، وكم من شاعر وصف محبوبته بالشمس في طلتها المشرقة! وكم من الأساطير شعشعت في خيال المتأملين فيها! وكم من اللوحات حاولت رصد حالاتها! وكم من الأجساد لوحتها أشعتها.
وفي اللغة كانت الشمس أيضاً، حيث «أل» الشمسية.
وفي التفاصيل اليومية ظلت الشمس في عرشها المضاء بها، ترسل خيوط الفجر لتوقظ الديوك وقهوة الصباح. وتبدأ الحياة في عروق اليوم. وفي الظهيرة تنظر من سدتها عمودياً فوق الرؤوس. وفي المساء تميل حانية على الأفق حتى تلامس الماء، وتغيب ليخرج الليل من وكره، بينما هي تفيض ضوءاً على أرض جديدة.
هي الشمس، أميرة الوقت، تدور بقاربها في فلك الحياة.
هي الشمس أم القرى والبوادي والسهول والوديان وأعالي الجبال، كانت تتدحدر فوق سطوح البيوت، وتجفف الحبوب من قمح وشعير وعدس وغيرها، مؤونة شتاء يجيء وعلى كتفيه غيوم تحجب عين الشمس وتهبط بالحرارة إلى القبو.
هي الشمس، أم الحرارة، تنثر أشعتها في الجهات، فتخضر روح الأرض التي تبدأ رقصتها الشمسية، منتشية بطاقة الأعالي.
والآن، ازدادت في العالم الدعوات إلى تقليل التلوث على الكوكب، والتوجه إلى استخدام «طاقة آمنة ونظيفة»، وانتشرت ألواح الطاقة الشمسية في بقاع الأرض، حتى إن الصين دشنت «وادي الطاقة الشمسية» أكبر قاعدة لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم، في حين أن «شمس العرب» التي تسطع في معظم أيام السنة لاتزال مهدورة ومهملة ومهجورة، إذ لا يتعدى استخدام طاقتها نطاقات قليلة في الحياة اليومية، إذ إن مصادر الطاقة تتركز على النفط، مع أن الشمس «مثالية» في الوطن العربي، واستخدام طاقتها يوفر مخزوناً مهماً من النفط، علاوة على حماية البيئة، وبالتالي صحة الإنسان.
الشمس للجميع، لكنها أكثر سطوعاً في بلادنا، ولكن استخدام طاقتها لايزال محدوداً وفي أضيق المجالات.
فإلى متى نبقى بعيدين عن الشمس، وهي فوق رؤوسنا تماماً؟
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى الضغط على إسمة