أصوات من السماء
الفجر في القاهرة له مذاق آخر، وحين أكون فيها لا أنام قبل أن أمتّع أذنيّ بسماع أصوات المؤذنين المختلفة التي تتدافع هنا وهناك، معلنةً عن بزوغ يوم جديد، وتتعالى الأصوات وتتنوع المقامات، ويمتد نظري من شرفتي المطلة على النيل لأرى مآذنها من بين البيوت العتيقة شاهقة، أملأ صدري بالهواء الرطب البارد، فتحدث حالة من الرهبة الروحانية لا تحدث معي في أي من بلاد الدنيا، تتداخل الأصوات وتعلو شيئاً فشيئاً، كل صوت أستطيع أن أميزه عن الآخر من فرط عذوبتها جميعاً. وفي غمرة الانسجام أكاد أفقد أنا وغيري من ملايين المصريين هذه المتعة الروحانية بعد أن تم الإعلان عن توحيد الأذان في مدينة الـ1000 مئذنة، وأتذكر الأذان الموحد في بلادي، ذلك الأذان الذي حرمني وغيري التحليق مع تلك الأجواء الروحانية، ما يجعل الأمل أو الحلم في أن تعيد وزارة الأوقاف حساباتها في مسألة الأذان الموحد، لنستمع إلى أعذب الأصوات المختلفة كالسابق، وأكرر أعذب الأصوات المختلفة وليس أنكرها، وكم تمنيت لو أن عطلاً فنياً يحدث ذات لحظة.. لتعلو أصوات المؤذنين في بلادي من جديد، كلٌ يشدو بمقامه، وكم أفتقد وغيري صوت إقامة الصلاة، وخطبة الجمعة، هذا اليوم الذي ميّزه عزّ وجل عن بقية أيام الأسبوع بروحانيته وطقوسه الخاصة، فهل يمكننا أن نحلم باستثناء يوم الجمعة فقط والاستماع إلى أذان من «لحم ودم» وإلى خطب تعلو أصواتها من منارات عدة تُدخل على نفوسنا وعلى قلوبنا بهجة هذا اليوم؟
نحن أمة إسلامية تعرف للدين هيبته، وتعظّم شعائره، مساجدنا تتناثر كحبات لؤلؤ يقصدها كل من يشّع قلبه نوراً ومحبة للخالق عز وجل، ليتربى فيها المؤمن بقلب طاهر ونقي.
فمساجدنا تتعرض لهجمة شرسة من بعض أنصاف الخطباء، الذين يسربون النعاس أثناء خطبهم، وهؤلاء كثر، ومن جنسيات عربية، غير أنهم يفتقرون إلى الموهبة الخطابية، كما أن الخطاب الديني مازال يراوح مكانه وهذه قضية أخرى، وعلى الرغم من أنني لا أسمع للخطبة صوتاً، فقد نقل أخي لي الصورة من الداخل، ولا أدري ما هي الأسباب التي تجعل وزارة الأوقاف تسمح بوجود هذه الفئة التي تقرأ الخطبة كأنهم ذاهبون إلى الحرب! فضلاً عن وجود من يؤمّون الصلاة ويعتلون المنابر من غير العرب، وهم الأخطر، ذلك أنهم لا يحسنون العربية وينطقون حروفها بطريقة ركيكة ومملة، فـ«الصاد» تبدل إلى «سين» و«القاف» إلى «كاف» عند قراءة آيات من ذكر الله الحكيم، أما أخطاؤهم النحوية فحدّث ولا حرج.
أعتقد أننا بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في أهلية بعض رجال الدين، حتى يتم اختيار أحسنهم وأفضلهم، وأنا متأكدة من أن الكثير يحترقون بسبب هذا العبث الذي ألمّ بمساجدنا.
حاولت كثيراً أن أنأى بنفسي عن الكتابة في هذا الموضوع، وقلت أتركها لغيري من أهل الاختصاص الذين لا يخافون في الله لومة لائم، أو كاتب آخر أكثر دراية مني بما يحدث داخل بيوت الله، ولكنني عندما تعرّضت لهذا الموضوع الشائك بكتابتي هذا المقال كانت مشاعري هي المحرك الأول وهي حافزي لمخاطبة العقلاء في بلادي وما أكثرهم.
لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها .