«عائد إلى حيفا»
من مدينة الشارقة، انطلق أول العروض العربية لمسرحية «عائد إلى حيفا»، بعد 30 عرضاً في الأردن. وإذا كانت المسرحية التي تنتمي إلى فن المونودراما، تشكل بناؤها خطوة خطوة، على أيدي بطلها غنام غنام، ومخرجها يحيى البشتاوي، ومصمم السينوغرافيا فراس الريموني وبقية فريق العمل، في غرفة صغيرة في مخيم فلسطيني في عمان، فإنها في حقيقة الأمر بدأت عروضها العربية منذ افتتاحها، لأنها لم تعرض حتى الآن في فلسطين، ساحتها الأولى على صعد الزمان والمكان والحدث، فهي مستمدة من رواية «عائد إلى حيفا» للشهيد الأديب غسان كنفاني، صاحب «رجال في الشمس»، و«ما تبقى لكم»، و«أم سعد». كما انها تتناول القضية الفلسطينية وتحولاتها على الأرض.
العرض الأول للمسرحية كان إيذاناً بجولتها العربية، لتبدأ حركتها على الخشبة من المحيط العربي الى بؤرة الأحداث ومكانها، إذ إنها ستعرض في مدن ومخيمات وقرى داخل فلسطين.
المسرحية بهذا المعنى، تعتبر صورة معكوسة لحركة التهجير القسري التي تعرض لها الشعب الفلسطيني نتيجة الاحتلال الإسرائيلي.
بعدما صار الشتات جغرافيا متعددة لحياة الشعب وشواهد القبور، ها هي المسرحية تتهيأ للعودة إلى فلسطين، وهي بذلك تتبع «زمان» الرواية التي تصور عودة عائلة مهجرة الى مدينتها حيفا، وتكشف تفاصيل في الألم الفلسطيني، وكيف بيت العائلة والذكريات، احتلته عائلة إسرائيلية استولت أيضاً على الطفل الفلسطيني خلدون ابن سعيد وصفية الذي نسيته عائلته من هول المجازر التي ارتكبتها عصابات الاحتلال. وتصور الرواية، وكذلك المسرحية، صدمة الأب والأم من تحول ابنهما «خلدون» إلى «دوف» المجند في جيش الاحتلال.
«عائد إلى حيفا» تعود إلى فلسطين، لتروي مجدداً حكاية التهجير وتوابعه. ومع أن النص الأصلي كتبه كنفاني بعد النكسة، إلا أن المسرحية مددت الزمن الدرامي إلى الوقت الحالي. وتناولت تحولات كبيرة في سيرة فلسطين التي ظلت وطناً لحلم، وحلماً لوطن. ومن مجازر العدو إلى دم الأخوة، ومن الشتات إلى التشتيت، ومن الحضور القوي للقضية الفلسطينية إلى التغييب، ومن الفخر إلى الخزي، ومن عتمة زنازين الاحتلال إلى عتمة الأشقاء، ومن البندقية إلى المساومة في طريق اللهاث وراء الفتات، ومن الحلم بوطن إلى الحلم بالرغيف، كانت الأحداث تتلاحق صعوداً وهبوطاً في الوجع والدمع والخيبة وبقايا شمس تشرق في الأرواح.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على إسمه .