رؤية
اقتصادنا
يشهد الفكر الاقتصادي في الألفية الثانية والثالثة، تطوراً سريعاً وكبيراً في المفاهيم والقيم والمبادئ، مثل الخصخصة، والعولمة، وتحرير الأسواق، ثم كونية الاقتصاد العالمي. وبرزت نظريات اقتصادية عدة، وتداخلت المذاهب الاقتصادية.
وبحكم أن المفاهيم والقيم الحديثة في الاقتصاد، ليست من وحي الفكر الاقتصادي العربي، ولم يكن للعرب أي إسهامات في الفكر الاقتصادي الحديث، فإنه من الصعب أن نحدد انتماء اقتصادنا لمذهب معين، فهل نظامنا الاقتصادي ينتمي للمذهب الاقتصادي الإسلامي، أم الرأسمالي أم الاشتراكي؟
وفي ظل تهافتنا نحن في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، للاندماج في الاقتصاد العالمي، والاندفاع نحو تحقيق الانفتاح الاقتصادي على مختلف الأسواق والاقتصادات العالمية، وفي ظل رغبتنا في ركوب موجة العولمة الاقتصادية، ضللنا الطريق، وفقدنا بوصلة الانتماء الاقتصادي، وفقدنا الثوابت الاقتصادية، وهوية اقتصادنا.
وربما نسأل أنفسنا ما إذا كان لايزال اقتصادنا وطنياً؟، فعملاتنا الخليجية أضحت منتمية للنظام الرأسمالي باعتبارها مرتبطة بالدولار الأميركي وبعملات الغرب، والتعاطي مع القضايا الاقتصادية، مثل الإنفاق الحكومي، وتوفير الخدمات لمواطني الدول، ومواجهة مشكلات الأسعار، وظاهرة التضخم، يتم التعامل معها من منظور تدخّل الدولة، وهنا يتضح الانتماء إلى المذهب الاشتراكي.
وهناك قضايا اقتصادية أخرى، مثل التعاطي مع الفائدة المصرفية، والاستثمارات، التي يتم التعامل معها أحياناً من منظور المذهب الإسلامي. وهكذا يحدث التباين الشديد بين القطاعين الحكومي الخاص، ثم القطاع العام.
وحيال الضبابية في الرؤى، وغياب الاستراتيجيات، واستقلالية القرار الاقتصادي، وضحالة الفكر الاقتصادي، فإننا نواجه صعوبات جّمة في تحقيق اندماج إيجابي في الاقتصاد العالمي، يحقق لنا مشاركة فاعلة، والفائدة المنتظرة، والحضور الحقيقي في الساحة الاقتصادية الدولية. وغالباً ما أصبحنا نتعامل مع مشكلاتنا وأزماتنا التنموية والاقتصادية، وحتى الاجتماعية، من خلال حلول معلّبة تتسم بالوقتية، ولا تندرج تحت أي مذهب اقتصادي.
وهكذا جاءت الأزمة المالية العالمية عام 2008 التي هي من صنيعة المذهب الرأسمالي، وتحمل في طياتها عوامل الهدم للاقتصاد العالمي، فكانت خسائرنا التي تكبّدناها كبيرة، والضربة موجعة، ربما دفعتنا للبحث عن دول منتمية للمذهب الاشتراكي، أو الإسلامي، كسلّة نضع فيها بيضنا الذي تكسّر عدد كبير منه في سلة الرأسمالية التي تلقت ضربات موجعة أمام الاشتراكية، وحيال هذا المذهب وذاك، أصبح اقتصادنا فاقداً لبوصلته، وأدواته، ومؤشراته، وانتمائه، وتبقى الحلول المستوردة المعلبة والوقتية هي سمة اقتصادنا!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .