أبواب

عقدة المزادات

خليل قنديل

في زحمة حمى المزادات العالمية التي تقام في عواصم العالم الأشقر تباعاً، نلحظ أن الإقبال يتزايد على مقتنيات خاصة برموز إبداعية وفنية، ويتم دفع الملايين من الدولارات ثمناً لهذه المقتنيات. والغريب أن الحفيد الخامس أو السادس هو المستفيد الأول من هذه المزادات، ومن ريع أرباحها ذات الأرقام الخيالية.

وعلى هذا الاساس يحق لحفيد فان كوخ أن يقبض الأموال عن لوحة لجده كانت مركونة مع الأثاث الرث الزائد على حاجة العائلة، وفي لحظة عمياء تم اكتشاف اللوحة، وأخذت مساحتها في المزادات العالمية وحققت كل تلك الأرباح.

والغريب أن ما من دارسين في علم الاجتماع قدموا لنا التوضيحات السيكولوجية التي تجعل الناس تصاب بهذا المس من حمى المزادات، إلى الدرجة التي تجعلهم يبيعون الذي فوقهم والذي تحتهم من أجل اقتناء لوحة لفان كوخ أو لسيزان أو لبيكاسو.

والأغرب من هذا كله هو أن الشخص الذي يعاني الإهمال الاجتماعي، وربما الاضطهاد الاجتماعي، هو من تتحول مقتنياته لاحقاً إلى مادة نادرة تقام من أجلها المزادات، ويتبارى فيها الأثرياء لأخذ مقتنياتهم.

فمن يقرأ فصة حياة فان كوخ الذي قضى عمره مشرداً وهو يبحث عن لقمة الخبز أو ما يسد رمقه، يندهش من هذه الملاحقة الجماعية المجنونة للوحاته أو كل ما يخصه.

وحين نذهب في متابعة هذه المزادات نُدهش من مزاد على خرقة متسخة كان بيكاسو يمسح بها يده بعد الانتهاء من الرسم، والدهشة أيضاً تزداد حينما يبدأ المزاد بصرخات حامية الوطيس وهي تعلن عن بدء مزاد خاص بالملابس الداخلية المتسخة للممثلة الأميركية الراحلة مارلين مونرو.

وهذه الأيام بدأت مقتنيات الراحل الطازج، مايكل جاكسون، تدخل في مزادات كان أولها قفازه، وتبع ذلك بعض حليه وملابسه.

هذا الالحاح الجمعي العالمي في التزاحم على إقامة المزادات، «لاسيما أنها تقام في أغلب الاحيان حينما يتوفى صاحبها»، يدلل على رغبة جارفة في الاحتلال بالحلال لمقتنيات الرمز الغائب. إنها رغبة غامضة في الاستيلاء «بقوة المال» على تلك الرائحة النادرة التي خلّفها هذا المبدع في مقتنياته. وربما أيضاً لتذوق بقايا طعم العرق الخاص الذي بقي في المقتنيات. وهي، إن شاء علم الاجتماع الجمعي أن يحفر أكثر، رغبة تسولية للبحث عن بقايا الطاقة النادرة التي خلّفها الرمز الراحل في مقتنياته، ومحاولة سلبها.

إن الهجمة التي نلحظها على مقتنيات الرموز الفنية والإبداعية، هي في الأصل هجمة مريضة، تحاول أن تحتل كل ما خلّفه المبدع من مقتنيات، لتسرقه وتقوم بإعدامه من جديد.

يحدث ذلك بعد خذلان هذا المبدع أيام كان حياً، ومطاردته في لقمة عيشه، ووضع كل العثرات التي تعيق إبداعه.

وما من رمز إبداعي عالمي تحولت مقتنياته إلى مزادات بأرقام خيالية إلا وعاش ذاك الضنك الذي كان يصل أحياناً إلى حد القتل!

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر