5 دقائق
«ثم.. تجشأ!»
هل تذكرون الدكتورة مريم نور؟ من منكم يعلم أين اختفت؟ تلك العجوز اللطيفة التي كانت تقول على الشاشات «شو حلوي الطبيعا؟!»، وتنصحنا بتناول عصير الطماطم في الصباح والاهتمام «بالبيضات».
عملتُ أخيراً في مدينة جميلة وبعيدة، وكان أول قرار اتخذته في تلك المدينة أن أنشر بين جميع الجيران الجدد معلومة وصول «شاب أعزب يسكن بمفرده»، لسببين الأول أحتفظ به لنفسي، والثاني لكي تنهال عليّ يومياً الوجبات المغلفة والموضوعة في «الجدور والحرارات»، لأنني مسكين، و«ما عنده حد في المدينة!» بحسب عادة أهل المدينة الكرماء.
في اليوم الأول حلف علي أحد الإخوان «أن اتغدى لديه شيئاً خفيفاً»، وكان هذا الشيء الخفيف عبارة عن خروف جزيري، أصرّ المضيف أن يضع مؤخرته الكريمة الدهنية امامي، ويحلف عليّ بطلاق نسائه الثلاث ألا أقوم إذا بقيت قطعة شحم واحدة في تلك المؤخرة، ثم بدأ بـ«القامي الهريس المطبوخ حتماً بسمن البلاد»، وجعلني أحلي ببضع لحيمات «حوار»، وأخيراً وضع الرأس أمامي ولقنني طريقة فتحه السحرية، وطلب مني تناول المخ المشبع بالكوليسترول، وهو ينظر إليّ ويقول «خلصه كله تراها منقودة عند العرب!»
وقبل أن أترك قلبي يحرر شرايينه التي كادت أن تتوقف، دعاني موظف عراقي صباح اليوم التالي لإفطار خفيف في منزله، وكما تعلمون، فالشعب العراقي مرهف الحس يتناول الكوارع التي تسمى «باجه» على الإفطار، ولا بأس من نصف كيلوغرام من عجينة بيضاء تُسمى «من السماء» بعدها، ثم سقاني شاياً ووضع لي أربع ملاعق كبيرة من «السم الأبيض»، وهو يقول بلطافة يحسد عليها «الحلو للحلو».
مساء ذلك اليوم استمر مسلسل الاهتمام بالأعزب الغريب، ودعاني زميل مصري إلى عشاء في منزله، إذ وجدت بطة وقد تعرضت لتعذيب لم يخطر على بال «بردجيت باردو»، إذ تم تلقيمها الحبوب حتى الإعدام ثم تقديمها لي مع «تقلية وبسبوسة ومحاشٍ وورق عنب» وأمور كثيرة لم أعرفها، ولكنها كشفت لي بوضوح أن رغيف العيش الذي يتكلم عنه المصريون ليس إلا للحلف عليه، وأن لديهم ما هو أدسم بكثير للتناول.
ثم لدى عائلة شامية، إذ كان «البوتوجاز» لديهم لا يعمل غالباً، لذا فقد تناولت مجموعة من الأطعمة النيئة «كبة نية، كبدة نية، لحمة نية»، وحليت بقطعة كنافة تم صبّ سائل محلي مركز عليها، ويحتاج حجم السعرات الحرارية فيها أن أعود مشياً إلى مدينتي لكي أحرق نصفها.
دع عنك مديري الأردني الذي حلف بالعشيرة والتاج أن أتناول لديه وجبة لطيفة الاسم والمضمون «منسف»، ويوضع فيها كل ما يمكنه إيصالك إلى الآخرة خلال دقائق من دهون وشحوم وألبان وخبز ولوز.
هل علمتم أين اختفت مريم نور؟ ..أعتقد أنها انتحرت!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .