صوت «قوس قزح»
على الرغم من تسيّد الصوت الواحد في الحياة العربية، عموماً، وفي مجال الفنون خصوصاً، إلا أن جوقة «قوس قزح» السورية بقيادة الموسيقي حسام الدين بريمو جاءت لتعيد الاعتبار إلى فن الصوت الجماعي. وفي حفلها الذي أقيم السبت الماضي على خشبة معهد الفنون المسرحية في الشارقة، كان الجمهور فرحاً بما يسمعه من أغنيات تراثية بسبع لغات.
«قوس قزح» تجربة إبداعية تؤكد الطاقة غير المحدودة للصوت البشري، خصوصاً إذا كان جماعياً. وهي بذلك تجعل من الصوت موسيقى وكلمات، عبر التناوب أو التداخل أو الحوار بين طبقات الصوت النسائية والرجالية. وهي تؤكد أيضاً أن الصوت علامة هوية، وهو أيضاً طاقة تعبيرية متعددة الطبقات، وهو أساس الموسيقى منذ «الكهف الأول» للإنسان، حيث بقي الصوت منجم تعبير عن حالات الإنسان في فرحه وحزنه وعشقه وخساراته وقلقه وأحلامه ومرضه وقوته وتساؤلاته الوجودية عن الكون والذات.
وظل الصوت كذلك بصمة الإنسان أينما ارتحل أو أقام. وبالصوت ينادي ويغني ويسامر ويشكو ويحب ويتذكر ويحذر أو يستغيث.
الصوت طاقة بشرية مشحونة بالعاطفة، ومتعددة الدلالات، فمنذ الطقوس الأسطورية، كان علامة في الحياة وفي الخيال وفي البراري المفتوحة على الحلم والموت معاً.
في طفولة مدننا وقرانا وبوادينا، كان صوت الأمهات بمثابة السحر، ننام على هدهدة أصواتهن، ونصحو على صوت حنانهن، ونكبر على صوت دعواتهن. أمهاتنا اللواتي يفيض الحب من نظراتهن، وتزداد الأشجار اخضراراً في ظل نداءاتهن.
وفي القرى، كان النشيد الجماعي في الحصاد صوت الطبيعة والناس، وكان إذا انحبس المطر يطوف الأطفال على البيوت وهم يرددون أهازيج قديمة، تعود بجذورها إلى زمن الأسطورة، عن المطر والخبز الجاف، فيرشق أصحاب البيوت ماء باتجاه تلك «الجوقة المتنقلة».
كل هذا، وأكثر، ذكرتني به جوقة «قوس قزح» التي تعيد الاعتبار إلى طقوس الغناء الجماعي القديمة، في زمن البطل الواحد والصوت الواحد والنجم الواحد.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .