أهلاً يا رمضان

سيُقبل علينا شهر رمضان قريباً إن شاء الله تعالى ونحن أشد تطلعاً إليه من سائر الشهور والأيام والليالي، من غير أن تكون هناك عوامل مادية أو اجتماعية تبعث لهذا التطلع، غير العامل الإيماني الذي يجعل المسلم في هذه الرغبة الشديدة لاستقباله، إذ فيه متعة الروح ومتعة الجسد، وهما المتعتان اللتان يسعى لهما الجادون المشمرون، فلا تكاد تجتمعان في وقت آخر غير هذا الشهر الكريم. أما متعة الروح فهي الأنس بالله تعالى في الصيام والقيام وتلاوة القرآن وفعل الخيرات والإعراض عن الغفلات، فضلاً عن المنكرات، وفي هذا كله أنس أيما أنس يجده المؤمن في هذا الشهر، فصيامه سياحة للروح في مرضات الله تعالى وملكوته، فهو يصون نفسه عما أحل الله من الطيبات والمتع الحاضرات، فضلاً عما حرم من المنكرات، ويجد في صون نفسه عن ذلك لذةً في هذه الطاعة؛ لأنها ترضي الرحمن سبحانه، ولأن جزاءها بيده وحده، فهو يعلم قوله سبحانه في الحديث القدسي الصحيح: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، ولَخلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك»، فيعلم أن الكريم سبحانه لم يختص جزاءه إلا لإكرامه بما لا يخطر له في بال، وليس له مثال، ويعلم أن أقل جزائه أن يناديه باب الريان: أن تعال يا عبد الله فادخل عن طريقي إلى جنة عرضها السماوات والأرض، تلك الجنة العالية التي قطوفها دانية، والتي ينادى فيها الصائمون: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيامِ الْخَالِيَةِ}، الجنة التي أقل الناس حالاً فيها له مثل الدنيا وعشر أمثالها، فكيف لا يطرب للصيام ولا للقيام، وهو يعلم ذلك كله، ويعلم أن «من صام رمضان، إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه»، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم. إنه سيرى أن هذه مِنة من الله تعالى ساقها إليه ليدخر عنده الرضوان والعتق من النيران، أما متعة الجسد فهي ما يجده من راحة استغنائه عن فضلات الطعام الذي قد يكون كثيره داء، وفضوله عناء، فيريح معدته التي هي بيت الداء كما قالوا، وقالوا أيضاً: فإن الداء أكثر ما تراهأأأ أأ يكون من الطعام أو الشراب، وكأن الصوم باب من أبواب التداوي من التخم، وهو كذلك، فقد ورد «اغزوا تغنموا، وصوموا تصحوا، وسافروا تستغنوا».

كما يجد متعة فائقة عند فطره بما لذ وطاب من أطايب الطعام والشراب، فيفرح بنعمة الله عليه بإتمام الصيام، ونعمة الطعام المتعدد الألوان والمذاقات، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه»، وهذا خبر منه صلى الله عليه وسلم عن واقع وحال الصائم في الدنيا، وبشارة له بذلك الجزاء العظيم عند لقاء ربه؛ إذ يجد ما لا عين رأت ولا أُذُن سمعت ولا خطر على قلب بشر، جزاء صبره على ظماء الهواجر، وقيام الليالي الغوابر، ومغالبة النفس الأمارة بالسوء، فقد جمع أنواع الصبر كلها؛ فصبر عن محارم الله فلم يقع فيها، وصبر على شهوات النفس فلم يعطها مناها، وصبر على ألم الجوع والعطش، وقد أخبر سبحانه أنه يجزي الصابرين بغير حساب، لا جرم فهو في شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

 

الأكثر مشاركة