أبواب
حرب المواقع
تحتاج الاختراعات العلمية التي تنعكس بفضائلها على الشعوب ربما إلى وقت طويل، كي تبدأ أخذ مستحقاتها من الفواتير التي يجب على الشعوب تسديدها، حينما تأخذ هذه الاختراعات مداها الإنساني والاجتماعي.
ولأن الاختراع يبدو أحيانا، خصوصاً حينما يتم تعميمه بين الناس، أنه يقود الى رفاهيتهم وراحتهم، فإن البشرية حينما تقبل على هذه الاختراعات لا تفكر في النتائج الانقلابية التي يمكن لهذا الاختراع، أو ذاك، أن يخلفها على مستوى الحراك الاجتماعي.
وحينما استدل الانسان على الطباعة وسرعتها في إنجاز الكتب المختصة بكل المعارف الإنسانية، بدأت الطباعة بحذف العديد من المهن التي تخص الوراقين، وكتبة الخطوط والناسخين، وأخذت على عاتقها فعل التثوير الاجتماعي والمعرفي الذي حمل على عاتقه كل الحواف الخطيرة والمجرحة لعصر النهضة، وبالمقابل فإن البشرية التي ذاقت طعم المعرفة الحقيقي الذي كان محصوراً على السلاطين وكتابهم والكهان، أخذت على عاتقها دفع فواتير هذه النقلة من ثورات وحروب وانقلابات سياسية واجتماعية وتغيير دساتير.
وفي الوقت الذي حصلت فيه ثورة الصورة والمعلوماتية ونشوء المواقع الإلكترونية، فإن إنسان عصرنا المضارع هذا الذي بدأ يهرول خلف هذه النقلة التكنولوجية، قد بدأ يشعر بأن القطاف الذي ستخلفه ثورة الصورة والمعلوماتية سيكون مراً وجارحاً.
وعليه فقد بدأت حرب المواقع الإلكترونية التي يقودها «الهاكر» الذي يمتلك الوعي التكنولوجي الدقيق، من اقتحام مواقع الكترونية وفك شيفرتها وتحطيمها بالفيروسات.
وصار من السهل على شاب صغير، يتسم بالذكاء والنباهة في دولة نائية، أن يمتلك القدرة على فك الشيفرة السرية للحسابات ذات الأرقام الفلكية الرابضة في البنوك، وتجييرها لمصلحة حسابه النائي، وأن يدعي حق ملكيته لها، ولا نبالغ إن قلنا إن هذه المسلكيات الاقتحامية لشيفرة البنوك كادت في بعض الاحيان ان تقود بعض البنوك الى الافلاس.
وها هو الصحافي الاسترالي جوليان أنسانج، صاحب احد المواقع استطاع عن طريق جندي اميركي شاب تسريب بعض الوثائق السرية الاميركية الخاصة بحرب افغانستان والعراق، وبات هذا الموقع يهدد الولايات المتحدة الاميركية بالكشف عن وثائق استخباراتية مهمة في ما يخص حرب افغانستان والعراق.
وربما يتطور الامر عند «الهاكر» وقرصنته الى محاولة فك شيفرة القنابل الذرية، وإيقاظ الحرب الجرثومية بكل أنواعها الخطيرة والمدمرة، بمجرد التسرب الى مثل هذه المواقع والتهديد بتدمير العالم.
إن دول العالم التي أخذت تعتمد في أرشفة أسرارها العسكرية والأمنية على الأرشفة الإلكترونية باتت، أمام هذه القرصنة الذكية التي يقوم بها «الهاكر»، مهددة بقرصنة تكنولوجية من نوع جديد قد تفضح أسرار الدول وخصوصياتها. وهذا يعني أن البشرية التي أخذت على عاتقها الاستغراق العميق في تمتعها بثورة المعلوماتية وفوائدها، بدأت بالفعل في تسديد الفواتير التي بدأ استحقاقها، بسبب الحرب القادمة التي حملت بامتياز نادر عنوان «حرب المواقع».
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى الضغط على اسمه.