صندوق طوارئ خليجي !
بعد تفاقم الأزمة المالية العالمية في أغسطس ،2008 أصبحت دول المنطقة مزاراً لقادة الغرب، خصوصاً الأوروبيين منهم، الذين توافدوا إلى دول الخليج يبتسمون لنا، يداعبوننا بالكلام المعسول كي نسهم في إخراج اقتصاداتهم من الظلال القاتمة للأزمة المالية، فتارة يطلبون منا المساعدة المالية المباشرة، وتارة يريدون منا أن نشتري سلعهم وبضائعهم وأسلحتهم، وأخرى يطلبون منا دعم صندوق النقد الدولي الذي بدوره يقدم طوق النجاة للاقتصادات الغربية، ولاسيما الأوروبية منها، ومرة يريدون تخفيض أسعار النفط وإنتاجه بالحجم الذي يرضيهم! وأحياناً يطلبون منا الاستثمار لديهم وإيداع أو تحويل مدخراتنا إلى شركاتهم ومصارفهم وأسواقهم! وفجأة أصبحنا نشكل أهمية كبرى لدى ساسة الغرب، ونحقق لهم ما يريدون على الرغم من أننا نحن أكثر الدول المتضررة من الأزمة، بعد أن تكبدنا خسائر جّمة جراءها، وعلى الرغم من أنهم هم من صنعوا وخططوا للأزمة، وقد يصح القول هنا «من حفر حفرة لأخيه وقع فيها»!
هؤلاء الغربيون اجتمعوا في لوكسمبورغ، واتفقوا على إنشاء صندوق طوارئ لمنطقة اليورو وبحجم تاريخي بلغ (440) مليار يورو لدعم بلدان منطقة اليورو، ولاستعادة الثقة بأسواقهم، وتوفير السيولة لاقتصاداتهم ومصارفهم وشركاتهم وأسواقهم المالية، واتفقوا على آليات معينة للمحافظة على أوضاعهم المالية والاقتصادية، وتحقيق الاستقرار في سعر صرف عملتهم الموحدة، بما في ذلك تشكيل حكومة اقتصادية!
ونحن في دول الخليج منا من أسهم ويسهم في ذلك الصندوق، وكذلك من أسهم في صندوق النقد الدولي الداعم لاقتصادات الغرب وأسواقه؛ والواقع أنهم دعونا فلبينا النداء من دون تردد، وحضرنا اجتماعاتهم وأسهمنا بكل ما استطعنا، وهنا يجب أن نتذكر جيداً أن منطقة الخليج تعرضت للعديد من الأزمات، خصوصاً أزمة منتصف الثمانينات، حينما تراجع سعر النفط إلى 10 دولارات، ودخلت اقتصاداتنا في غيبوبة، وموازناتنا الحكومية في عجز، ولم يجد النداء بطلب المساعدة، لا من الشرق أو من الغرب من يلبيه، إذ اضطرت بعض دول المنطقة إلى الاقتراض، وربما إلى رهن جزء من احتياطاتها النفطية ومستقبل الدولة، للخروج من تداعيات تلك الأزمة، وشددنا نحن المواطنين الحزام، لأن هناك حالة تقشف وتقليص في النفقات الحكومية توقفت معها مشروعات التنمية، ولم ينفعنا الغرب آنذاك.
آن لنا أن نفكر جيداً في بناء اقتصاداتنا وتنمية مجتمعاتنا، وعدم جعل دولنا بقرة حلوباً لدول الغرب والشرق، ولعله آن لنا ـ مع تعدد الأزمات التي نتعرض لها ـ أن نفكر جيداً�في وجود صندوق طوارئ خليجي تسهم فيه الدول الست في فترة الانتعاش، ويقدم قروضاً وتسهيلات عندما يتعرض أحد اقتصادات المنطقة لأزمة مالية، لاسيما ونحن نركب سفينة واحدة، ولا خيار لنا سوى العمل وفق رؤية مشتركة، ولا مناص لنا من التعاون والتكامل، من أجل حاضر المنطقة ومستقبل الأجيال.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى الضغط على اسمه.