أبواب
الهوية والمواجهة
عندما تذهب إلى الحرب واثقاً من هزيمتك ستُهزم، وعندما تصبح تصوراتك عن العدو قناعات مطلقة، تفيد بأنه الأقوى والأكثر ذكاء ومقدرة وتخطيطاً ودهاء ومكراً، فإنك لن تتمكن من الوقوف في وجهه لحظة واحدة، فأنت مهزوم في داخلك مسبقاً.
هذا الأمر يتعلق بالهوية التي لا تتحقق وحدها، بل ينبغي لها أن تتوافر على اعتراف الآخر. وهذه الفكرة «الهيغيلية» هي التي استند إليها فوكوياما في كتابه الشهير «نهاية التاريخ».
والهوية هي محصلة ثقافة الشخص، أي هي بنيته الثقافية المكتملة. والهوية الشخصية لا توجد منعزلة عن الهوية الاجتماعية انعزالاً تاماً أو مطلقاً. فهي نتاج ثقافة جمعية، تنطوي على تصورات الجماعة عن الحياة بمفرداتها كلها، بما في ذلك الدين والعرق والجنس واللون والماهية والآخر، وبما في ذلك أيضاً تصورات الجماعة عن الغيب والحاضر والماضي والمستقبل.
سيقودنا هذا الكلام إلى التطرق إلى الهوية العربية، فهي، شأن الهويات الأخرى، تنبني تدريجياً وتراكمياً، ولا تصل إلى حد نهائي لها، وربما هذا هو الخطأ الكبير الذي وقع فيه فوكوياما عندما تصور في «نهاية التاريخ» أن العالم وصل إلى الإنسان الأخير على الأرض، وهو «الليبرالي الديمقراطي»، كما قال.
فقد جرى بناء الهوية العربية بفعل قراءات الماضي العربي المنحازة دائماً إلى المنتصر، وجرى بناء الهوية العربية أيضاً بفعل النظام العربي البطريركي الاستبدادي، وجرى بناؤها كذلك بفعل قوة الثقافات الأجنبية المهيمنة.
وفي الأحوال كلها، فإن هذه العوامل الثلاثة، ستبني هوية عربية ضعيفة أو هزيلة، قائمة على ثقافة الضعف والاستسلام والهزيمة، وبهذه الثقافة كان العربي الصادق في مشاعره وعواطفه يذهب إلى المواجهة.
وحين أعلنت المقاومة اللبنانية قبل أيام قليلة فقط، أنها نجحت في اختراق العدو الصهيوني تقنياً ومعلوماتياً من خلال خرق متقن في طائرات التجسس الصهيونية، انبرى عدد من المثقفين العرب إلى تكذيب هذه الواقعة، وكان السؤال المشترك دائماً: هل يعقل أن يتمكن العربي من اختراق هذه الأنظمة المعقدة؟ ولكن العدو نفسه اعترف بهذا الاختراق، وأصبح حقيقة موضوعية.
المهم هنا، هو ماذا سنبني على هذا الاعتراف ثقافياً في العالم العربي؟
سيكون لزاماً علينا أن نعاود التفكير في قدراتنا وثقافتنا وأنفسنا كماهية وكهوية. وسيكون علينا أن نعي أن الهوية العربية قادرة على تحقيق ذاتها بقوة، إذا ما توافرت النية والإرادة.
نعم، يمكن لنا أن نواجه العدو الصهيوني في أي وقت وبأي قوة، مهما اعتبرت صغيرة أو متواضعة، فالأساس هنا هو ثقافة المواجهة، ولعل لنا في معركة بدر دليلاً كبيراً على ما نقول. أما في الحاضر فيكفي أن نشير إلى أن 10 رجال صعدوا إلى جبال «سيرا مايسترا» في كوبا، مسلحين بأسلحة فردية قديمة، سعياً للقضاء على نظام دكتاتوري «باتيستا» مدعوم من أميركا، ولو لم ينتصر هؤلاء في ما بعد بقيادة كاسترو وجيفارا، لقال الناس لاحقاً إنهم مجموعة من المجانين.
علينا أن نعيد النظر في أنفسنا، وفي ما يريده الآخر منا وفي ما نريده نحن من الآخرين. وعندما نتخلص من ثقافة الهزيمة المزروعة فينا منذ قرون، والتسلح بثقافة القوة والعزيمة والإرادة، فإننا قادرون على تحقيق هوية عربية ناصعة وقوية ومتما سكة.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .