كل يوم
كيلو البقدونس بـ 11 سهماً
كيلو البقدونس يساوي 11 سهماً من أسهم «إعمار»، وكرتونة الكوسة الصغيرة تعادل أكثر من 16 سهماً، ومع ذلك أستغرب استمرارية كثير من رجال الأعمال في البقاء شاخصين بأبصارهم خلف شاشات التداول، تاركين مجال الربح المضاعف الموجود في سوق الخضراوات، خلف كراتين الخيار والخس وحزم البقدونس والنعناع، التي أصبحت أثمن من الأسهم، وربما تتجاوز أسعارها ارتفاعات أسعار الذهب والنفط!
الحديث عن ارتفاعات الأسعار، أصبح من الأحاديث المتكررة والمملة، ومن الصعب على ما يبدو التحكم أو السيطرة على الأسواق، فالعقبات كثيرة، والعراقيل لا أول لها ولا آخر، ووزارة الاقتصاد تبذل جهوداً ملموسة، وجولات مفتيشها مستمرة، لكن الوضع الميداني صعب ومعقد، وأشكال وأنواع الاستغلال منتشرة بأساليب مختلفة، وفي النهاية هناك قوانين السوق والعرض والطلب، ونظريات الاقتصاد والنظام الاقتصادي الذي يستطيع محاربة الاحتكار وكسره، لكنه لا يستطيع الاقتراب من الأسعار، فهي غير خاضعة للقوانين، بل للمواسم والعادات حيناً، والجشع والاستغلال أحياناً أخرى!
الخضراوات شيء لا يمكن الاستغناء عنه، في رمضان أو غير رمضان، فهي كالهواء والماء، ومع ذلك سيضطر كثيرون إلى الاستغناء عنها في هذه الأيام المباركة، لأنها وصلت الى حد أعلى من الارتفاع لا يستطيعون معه الوصول إليها، وفي وقت هم أحوج ما يكونون إليها، فالزيادات السعرية التي اجتاحت مختلف أنواع الخضراوات في الأيام الماضية كانت عالية ومبالغاً فيها، والأعذار التي يسوقها التجار والموردون كثيرة، فمنهم من يعزوها إلى دول المنشأ، ومنهم من يرى أن سرعة تلف هذه السلع هي السبب في ارتفاع سعرها، وهناك من يعيد السبب الى ارتفاع سعر الشحن والاستيراد، وهناك من يرى أن الإجراءات التي تفرضها وزارتا الاقتصاد والبيئة أسهمت في رفع الأسعار!
المستهلكون ضائعون، ومهما كانت المبررات فهم المتضررون المباشرون من هذا الموضوع، ولا يهمهم معرفة سبب ارتفاع كيلو الكوسة، لكنهم متأزمون من وصوله إلى 14 درهماً بدلاً من سبعة دراهم، ومتأزمون من كل الارتفاعات الأخرى التي تحرمهم من التمتع بصحن «سلطة» يومي في شهر الصيام! لا نملك تحميل المسؤولية لطرف ما أو جهة ما، فالقضية كما ذكرت شائكة ومتشابكة ومعقدة، ووزارة الاقتصاد تجري تعديلات على قانون العقوبات لديها على التجار المتلاعبين بالأسعار، سيتم من خلالها مضاعفة العقوبات، وفقاً لجدول غرامات يتناسب وطبيعة المخالفة، ومن دون شك متابعة الوزارة للسوق، وعقوباتها المتوقعة على المخالفين، والجولات التفتيشية هي أهم وسيلة من وسائل السيطرة على السوق، وفيها ردع لجشع كثير من التجار، إلا أنه من الضروري أن تلتفت الوزارة الى توقيت اتخاذ الإجراءات، وتطبيق القوانين التي يكون مردودها عكسياً إن جاءت في وقت غير ملائم.
هذا ما حدث في الأيام الماضية، فالوقت لم يكن مناسباً لإجراء تعديلات على نظام دخول السلع الغذائية عبر المنافذ الحدودية، خصوصاً مع أجواء رمضان، ونتيجة ذلك كان اختفاء أصناف من الخضراوات وارتفاع سعر بعضها، إضافة إلى إعطاء التجار مبرراً إضافياً لرفع الأسعار.
بالتأكيد نحن مع التنظيم، وحماية الناس وسلامتهم، والتدقيق على كل ما يدخل أفواههم عبر المنافذ، لكن بشكل لا يؤثر في بقية حواسهم أيضاً!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .