الإفطار والإمساك

تكثر أسئلة الناس في رمضان عن وقت الإمساك والإفطار مع وضوح حالهما، وعدم احتياجهم إلى الأسئلة عنهما، فهما يُعرفان بالحس والمشاهدة، ويحصل بذلك العلم اليقيني لا الظني، وسر غرابة هذه المسألة أمران: الأول اتباع الأهواء، والثاني اتباع رخص بعض الفقهاء.

أما الأول: فكثير منهم لا يريد أن يتبع الوسائل الشرعية لمعرفة الأوقات، بل يريد أن يأكل ويشرب حتى يفرق بين الذئب والكلب، وإذا قلت له: هذا وقت الإسفار وليس وقت الفجر، يقول: قال الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتى يَتَبَينَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ}، وينسى تتمة الآية وهي{مِنَ الْفَجْرِ} التي هي بيان للخيطين، والمعنى: أن الخيط الأبيض والأسود يبينه طلوع الفجر الصادق، كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم، وهو الذي ينتشر ضوؤه في الأفق، لا الفجر الكاذب الذي يكون فيه الضوء مستطيلا، كذنب الذئب، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم»، فجعل منتهى الأكل والشرب ونحوهما أذان ابن أم مكتوم الذي كان يؤذن حينما يقال له: أصبحتَ أصبحتَ. وقد كان يسبقه أذان بلال عند طلوع الفجر الكاذب الذي شرع ليستريح عنده القائم ويقوم النائم، وعند الأذان الثاني يدخل وقت الفجر، وتصح عنده صلاته سنة وفرضا، بمجرد سماع المؤذن، إذْ لا يجوز أن يكون إلا عند دخوله؛ لأنه إعلام بدخول الوقت، والمؤذن مؤتَمن عليه، فيجب أن يكون هذا الأذان فاصلا بين الليل الذي أبيح فيه ما أبيح، وبين النهار الذي يجب عنده الصيام، لقوله تعالى: {ثُم أَتِموا الصيَامَ إِلَى الليْلِ}، فهذه النصوص الصريحة قاطعة للخلاف الذي قد يتذرع به من يرى العمل بحديث ضعيف أو معارَض بما هو أصح وأصرح منه، وذلك كاحتجاج البعض بحديث «إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه»، ولم يكن فقهاؤنا يجهلونه، بل علموه ولم يعملوا به؛ لمعارضته ما هو أصح منه، أو بحمله على الأذان الأول، فقد قال البيهقي: وهذا إن صح فهو محمول عند عوام أهل العلم على أنه صلى الله عليه وسلم علم أن المنادي كان ينادي قبل طلوع الفجر بحيث يقع شربه قبيل طلوع الفجر، كيف وقد كان بين أذان النبي صلى الله عليه وسلم وسحوره قدر 50 آية، للاحتياط للصوم، فأين هذا ممن يقول استمر بأكلك في وقت طلوع الفجر؟ أما الإفطار فهو أوضح من أن يستدل عليه بالدليل؛ لأنه يكون عند غروب الشمس بغياب قرصها، وهو المبين بقوله صلى الله عليه وسلم «إذا أقبل الليل من ها هنا، وأدبر النهار من ها هنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم»، وكثير من الناس لا يطلعون على غياب قرص الشمس وقد كفتهم التقاويم الصحيحة المحققة المؤنة، فلهم أن يعتمدوها مع توقيتاتهم المضبوطة، هذا إذا كانوا في البلد أما من كان يمخر جو السماء وهو يرى قرص الشمس لم يغب وهو صائم، فعليه إمساك بقية نهاره، ولا يغتر ببلد الوصول أو بلد المغادرة، بل ولا البلد الذي يمر فوق أجوائه؛ لأنه لايزال يرى الشمس حية فلم يدخل ليله الذي يفطر فيه، فكما لا تصح صلاته لا يصح فطره، فالإفطار متعلق بغروب الشمس.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .  

الأكثر مشاركة